دلالات‭ ‬تأثير‭ ‬تهميش‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي في‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية ‭ ‬في‭ ‬إتجاهات‭ ‬التلامذة‭ ‬السياسيّة‭ ‬والاجتماعيّة‭ ‬والمدنيّة‭ ‬في‭ ‬لبنان

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 أيلول 16 6 دقائق للقراءة
كثرت‭ ‬النقاشات‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬حول‭ ‬أهمية‭ ‬تعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬وضرورة‭ ‬إدخال‭ ‬قيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬الرسمية‭ ‬اللبنانية‭. ‬فجاء‭ ‬اتفاق‭ ‬الطائف‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬ليركّز‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التربية‭ ‬لتعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وأعد‭ ‬المركز‭ ‬التربوي‭ ‬للبحوث‭ ‬والانماء‭ ‬عام‭ ‬1997‭ ‬منهاجاً‭ ‬رسمياً‭ ‬جديداً‭ ‬يركّز‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬والانفتاح‭ ‬الثقافي‭ ‬والديني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مادة‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية،‭ ‬ونادى‭ ‬بتوحيد‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية‭. ‬
ولتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬أعدت‭ ‬الدولة‭ ‬كتباً‭ ‬جديدة‭ ‬وموحّدة‭ ‬لجميع‭ ‬المواد‭ ‬باستثناء‭ ‬مادة‭ ‬التاريخ‭ ‬بينما‭ ‬أصبح‭ ‬تعليم‭ ‬مادة‭ ‬الدين‭ ‬أمراً‭ ‬اختيارياً‭ ‬يعود‭ ‬لادارة‭ ‬كل‭ ‬مدرسة‭. ‬ويلحظ‭ ‬تركيز‭ ‬اتفاق‭ ‬الطائف‭ ‬والسياسات‭ ‬التربوية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الطائفية‭ ‬كأبرز‭ ‬أسباب‭ ‬الحرب‭ ‬والنزاع‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬بينما‭ ‬يقلّ‭ ‬ذكر‭ ‬دور‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والطبقي‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ويدفعنا‭ ‬هذا‭ ‬الى‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ماهية‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭.‬

تتفق‭ ‬التعريفات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الأكاديميون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬رابط‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬ويؤثر‭ ‬في‭ ‬سلوكهم‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬العام،‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬اجماع‭ ‬بين‭ ‬الأكاديميين‭ ‬على‭ ‬مكوّنات‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬فهناك‭ ‬توجه‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يمثل‭ ‬القيم‭ ‬المشتركة‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬التفاوت‭ ‬في‭ ‬الثروات‭ ‬والدخل‭ (‬مصدر‭). ‬وهو‭ ‬العملية‭ ‬الجارية‭ ‬لتطوير‭ ‬المجتمع‭ ‬وخلق‭ ‬قيم‭ ‬وتحديات‭ ‬مشتركة‭ (‬مصدر‭)‬،‭ ‬وأن‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬هي‭ ‬عامل‭ ‬اساسي‭ ‬في‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬اما‭ ‬التوجه‭ ‬الآخر‭ ‬فهو‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬وجوب‭ ‬وجود‭ ‬قيم‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬لتحقيق‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كون‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬ظلم‭ ‬الفئات‭ ‬المهمّشة‭ ‬والأقليات‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تتشارك‭ ‬في‭ ‬قيمها‭ ‬مع‭ ‬غالبية‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭. ‬كما‭ ‬يركز‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لتحقيق‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وبالعودة‭ ‬الى‭ ‬تجربة‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬الطائف،‭ ‬فإن‭ ‬مرور‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬يستدعي‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وأثره‭ ‬في‭ ‬توجهات‭ ‬التلامذة‭. ‬وبناء‭ ‬عليه‭ ‬تمّ‭ ‬اجراء‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬‮«‬دلالات‭ ‬تأثير‭ ‬تهميش‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬التلامذة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والمدنية‭ ‬في‭ ‬لبنان‮»‬‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2010‭ ‬والتي‭ ‬نلخص‭ ‬نتائجها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭. ‬وبالامكان‭ ‬الرجوع‭ ‬الى‭ ‬التقرير‭ ‬الكامل‭ ‬عبر‭ ‬زيارة‭ ‬الصفحة‭ ‬الالكترونية‭ ‬للمركز‭. ‬وقد‭ ‬هدفت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬الى‭ ‬تقصّي‭ ‬المقاربات‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لتعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والانعكاسات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬توجهات‭ ‬التلامذة‭ ‬في‭ ‬آرائهم‭ ‬السياسية‭ ‬والطائفية‭ ‬وقيمهم‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وتمّ‭ ‬أخذ‭ ‬عيّنة‭ ‬من‭ ‬24‭ ‬ثانوية‭ ‬لبنانية،‭ ‬خاصة‭ ‬ورسمية،‭ ‬اختلفت‭ ‬مكوّناتها‭ ‬الطائفية‭ ‬والدينية‭. ‬واجريت‭ ‬مقابلات‭ ‬مع‭ ‬تلامذة‭ ‬وأساتذة‭ ‬ومدراء،‭ ‬كما‭ ‬تمّ‭ ‬اجراء‭ ‬مسح‭ ‬لاستطلاع‭ ‬آراء‭ ‬التلامذة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬توجّهاتهم‭ ‬السياسية‭ ‬ولمعرفة‭ ‬قيمهم‭ ‬ومواقفهم‭ ‬ومهاراتهم المدنية‭.‬‮ ‬
 
‭ ‬منهجية‭ ‬البحث
استطلعت‭ ‬الدراسة‭ ‬آراء‭ ‬24‭ ‬مديراً‭ ‬و62‭ ‬أستاذاً‭ ‬و900‭ ‬تلميذ‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬ثانوية‭ ‬حكومية‭ ‬و14خاصة،‭ ‬بعضها‭ ‬علمانية‭ ‬وبعضها‭ ‬دينية‭. ‬وقد‭ ‬تمّ‭ ‬اختيار‭ ‬مدارس‭ ‬تمثل‭ ‬كل‭ ‬الاطياف‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬وأجريت‭ ‬مقابلات‭ ‬مع‭ ‬مدراء‭ ‬واساتذة‭ ‬مواد‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية‭ ‬والتنشئة‭ ‬المدنية‭ ‬والتاريخ‭ ‬والعلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لاستطلاع‭ ‬كيفيّة‭ ‬تناول‭ ‬الثانويات‭ ‬للمواد‭ ‬المذكورة،‭ ‬ولمعرفة‭ ‬طرق‭ ‬التعليم‭ ‬المتبعة‭ ‬والبيئة‭ ‬المدرسية‭ ‬والأنشطة‭ ‬اللاصفية‭ ‬وعلاقة‭ ‬المدرسة‭ ‬بالمجتمع‭ ‬ومدى‭ ‬مشاركة‭ ‬الطلاب‭ ‬والأساتذة‭ ‬والاهل‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭. ‬وتمّ‭ ‬توزيع‭ ‬استبيان‭ ‬استهدف‭ ‬التلامذة‭ ‬لمعرفة‭ ‬قيمهم‭ ‬ومواقفهم‭ ‬ومهاراتهم‭ ‬المدنية،‭ ‬أدرجت‭ ‬فيه‭ ‬الابعاد‭ ‬المتنوّعة‭ ‬التي‭ ‬استقصت‭ ‬آراء‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬البيداغوجية‭ ‬الحالية‭ ‬والبيئة‭ ‬المدرسية‭ ‬لتحديد‭ ‬دورهما‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬مواقف‭ ‬الشباب‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬تلك‭ ‬الآراء‭.‬
مقاربات‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬الثانويات
تمّ‭ ‬تحديد‭ ‬خمس‭ ‬مقاربات‭ ‬للتماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬صنّفناها‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬التالي‭: ‬النهج‭ ‬السلبي،‭ ‬التفادي،‭ ‬اللاصفي،‭ ‬الشمولي‭ ‬والمتناقض‭.‬
اتبعت‭ ‬تسع‭ ‬مدارس‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬24‭ ‬مدرسة‭ ‬النهج‭ ‬السلبي‭ ‬وهو‭ ‬نهج‭ ‬لا‭ ‬يشدد‭ ‬على‭ ‬موضوع‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لعدم‭ ‬أهميته‭ ‬للإدارة‭ ‬بحكم‭ ‬انتماء‭ ‬جميع‭ ‬الطلاب‭ ‬لطائفة‭ ‬واحدة،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬مديرو‭ ‬هذه‭ ‬الثانويات‭. ‬ويتبيّن‭ ‬هنا‭ ‬المفهوم‭ ‬الضيّق‭ ‬للتماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لدى‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬والذي‭ ‬ينحصر‭ ‬في‭ ‬الاختلاف‭ ‬والنزاع‭ ‬الطائفي‭ ‬وتغيّب‭ ‬الجوانب‭ ‬الأخرى‭ ‬المؤثرة‭ ‬مثال‭ ‬المساواة‭ ‬والعدالة‭. ‬تميّزت‭ ‬أولويات‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬بكيفية‭ ‬تحقيق‭ ‬نسب‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭ ‬الرسمية‭ ‬وحصرت‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬مادة‭ ‬المواطنة‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬الى‭ ‬الطرق‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬فكانت‭ ‬تلقينيّة‭ ‬وتعتمد‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬المعلومات‭. ‬وكانت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المدرسة‭ ‬والبيئة‭ ‬المحلية‭ ‬محدودة‭ ‬واحياناً‭ ‬معدومة‭. ‬اما‭ ‬الثانويات‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬تلامذتها‭ ‬الى‭ ‬طوائف‭ ‬مختلفة‭ ‬فقد‭ ‬انتهجت‭ ‬مقاربة‭ ‬اطلق‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬نهج‭ ‬التفادي‭ ‬Avoidance؛‭ ‬لانها‭ ‬ارتأت‭ ‬عدم‭ ‬التعامل‭ ‬أو‭ ‬معالجة‭ ‬النزاعات‭ ‬الطائفية‭ ‬والحزبية‭ ‬بين‭ ‬التلامذة‭ ‬كوسيلة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬موضوع‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ولكي‭ ‬تتفادى‭ ‬النزاعات‭ ‬بين‭ ‬التلامذة‭ ‬منعت‭ ‬النقاشات‭ ‬والمناظرات‭ ‬داخل‭ ‬الصفوف‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الملاعب‭. ‬وتميّزت‭ ‬بيداغوجيا‭ ‬تعليم‭ ‬الاجتماعيات‭ ‬بالسردية‭ ‬والتلقينيّة‭ ‬والحفظ‭. ‬
أما‭ ‬المدارس‭ ‬التي‭ ‬اتبعت‭ ‬النهج‭ ‬اللاصفي‭ ‬فتميّزت‭ ‬باعتمادها‭ ‬الانشطة‭ ‬الصفية‭ ‬كوسيلة‭ ‬أساسية‭ ‬لنشر‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فنظّمت‭ ‬رحلات‭ ‬الى‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬اللبنانية‭ ‬وأطلقت‭ ‬خدمات‭ ‬المجتمع‭ ‬والاندية‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الثغر‭ ‬في‭ ‬ممارسات‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬للنشاطات،‭ ‬فكانت‭ ‬عشوائية‭ ‬غير‭ ‬منظمة‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬تحديد‭ ‬أهدافها‭ ‬ولم‭ ‬تجرِ‭ ‬متابعتها‭. ‬أما‭ ‬البيداغوجيا‭ ‬المتبعة‭ ‬لتدريس‭ ‬مادة‭ ‬التربية‭ ‬والعلوم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فكانت‭ ‬شبيهة‭ ‬بالنُهج‭ ‬الاخرى‭ ‬وتلقينية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الحفظ‭. ‬وكانت‭ ‬أولويات‭ ‬المدرسة‭ ‬هي‭ ‬التحصيل‭ ‬الجيد‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭. ‬واتبع‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ (‬ثلاث‭ ‬مدارس‭) ‬النهج‭ ‬الشمولي‭ ‬الذي‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬المساواة‭ ‬كأحد‭ ‬شروط‭ ‬تعزيز‭ ‬التماسك‭. ‬واتبعت‭ ‬تلك‭ ‬المدارس‭ ‬أيضاً‭ ‬سياسة‭ ‬قبول‭ ‬لطلاب‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وخصّصت‭ ‬ميزانية‭ ‬للمنح‭ ‬الدراسية،‭ ‬كما‭ ‬مارست‭ ‬سياسة‭ ‬دمج‭ ‬كامل‭ ‬للتلامذة‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭. ‬كذلك‭ ‬خصّصت‭ ‬برنامج‭ ‬للانشطة‭ ‬اللاصفيّة‭ ‬وعزّزت‭ ‬ثقافة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬عبر‭ ‬مجالس‭ ‬طلابية‭ ‬منتخبة،‭ ‬وأسست‭ ‬لعلاقة‭ ‬بين‭ ‬المدرسة‭ ‬والمجتمع‭ ‬كوسيلة‭ ‬لنشر‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬تميّزت‭ ‬البيداغوجيا‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬المواد‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بالتحليلية‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الاحيان‭ ‬بالتلقينية‭. ‬وعكست‭ ‬ادارات‭ ‬الثانويات‭ ‬خصائص‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والمشاركة،‭ ‬فوفرت‭ ‬فرصاً‭ ‬للتلامذة‭ ‬لابداء‭ ‬رأيهم‭ ‬واتبعت‭ ‬المقاربة‭ ‬الشمولية‭ ‬كاستراتيجية‭ ‬لتطوير‭ ‬المدرسة‭. ‬
اما‭ ‬الثانويات‭ ‬التي‭ ‬اتبعت‭ ‬النهج‭ ‬المتناقض‭ ‬فكانت‭ ‬دينية‭ ‬وتلامذتها‭ ‬وأفراد‭ ‬هيئتها‭ ‬التعليمية‭ ‬من‭ ‬طائفة‭ ‬واحدة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬فرص‭ ‬للتلامذة‭ ‬للاختلاط‭ ‬بالطوائف‭ ‬الاخرى‭. ‬وشدّدت‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ضمن‭ ‬الطائفة‭ ‬الواحدة‭ ‬فطوّرت‭ ‬برنامجاً‭ ‬لانماء‭ ‬المهارات‭ ‬المدنية‭ ‬للتلامذة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانشطة‭ ‬الصفية‭ ‬واللاصفية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬التلقينية‭. ‬
أثر‭ ‬النُهج‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬الآراء‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬عند‭ ‬التلامذة
بعد‭ ‬رصد‭ ‬المقاربات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬هذه‭ ‬الثانويات‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لتعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬جرى‭ ‬استطلاع‭ ‬مواقف‭ ‬التلامذة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والمدنية‭. ‬وقد‭ ‬تبيّن‭ ‬ان‭ ‬المدارس‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬النَهج‭ ‬السلبي‭ ‬والمتناقض‭ ‬كان‭ ‬الشباب‭ ‬فيها‭ ‬اكثر‭ ‬نزوعاً‭ ‬نحو‭ ‬الطائفية‭ ‬وأقل‭ ‬استعداداً‭ ‬للاختلاط‭ ‬مع‭ ‬تلامذة‭ ‬من‭ ‬طوائف‭ ‬أخرى،‭ ‬وأبدوا‭ ‬ميلاً‭ ‬نحو‭ ‬دعم‭ ‬السياسيين‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬الى‭ ‬طائفتهم‭ ‬وثقة‭ ‬بالاحزاب‭ ‬الطائفية‭ ‬مقارنة‭ ‬بأقرانهم‭ ‬في‭ ‬الثانويات‭ ‬التي‭ ‬تبنّت‭ ‬النًهج‭ ‬الشمولي‭ ‬واللاصفي‭ ‬الذين‭ ‬أظهروا‭ ‬توجهات‭ ‬علمانية‭ ‬وكانوا‭ ‬أكثر‭ ‬تردداً‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الأحزاب‭ ‬الطائفية‭. ‬ولم‭ ‬يظهر‭ ‬التحليل‭ ‬اي‭ ‬اختلاف‭ ‬بين‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬والمدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬حول‭ ‬المسائل‭ ‬المطروحة‭. ‬وأظهرت‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬النهج‭ ‬السلبي‭ ‬كان‭ ‬سائداً‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الثانويات‭ ‬الحكومية،‭ ‬بينما‭ ‬تركز‭ ‬وجود‭ ‬النهج‭ ‬المتناقض‭ ‬في‭ ‬نصف‭ ‬عدد‭ ‬المدارس‭ ‬الدينية‭ ‬الخاصة‭ ‬المشمولة‭ ‬بالبحث‭.‬
أظهرت‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬المدرّسين‭ ‬والمدراء‭ ‬لديهم‭ ‬مفهوم‭ ‬ضيّق‭ ‬للتماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬انحصر‭ ‬في‭ ‬التعددية‭ ‬المذهبية‭ ‬والمواطنة‭ ‬ولم‭ ‬يشمل‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭. ‬وتبين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬النُهج‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للتلامذة‭. ‬فالمدارس‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬النَهج‭ ‬السلبي‭ ‬وتتصف‭ ‬بالهرمية‭ ‬واللاديمقراطية،‭ ‬لديها‭ ‬توجهات‭ ‬محدودة‭ ‬لتعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ولدى‭ ‬تلامذتها‭ ‬نزوع‭ ‬طائفي‭ ‬وولاء‭ ‬للأحزاب‭ ‬والزعماء‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬الى‭ ‬الطائفة‭ ‬نفسها‭. ‬أما‭ ‬المدارس‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬النهج‭ ‬اللاصفي‭ ‬والشمولي‭ ‬والتي‭ ‬تتميّز‭ ‬بأجواء‭ ‬أكثر‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وتشجّع‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬للتلامذة،‭ ‬فيمكن‭ ‬ان‭ ‬تساعدهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الموروث‭ ‬الطائفي‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬وتعزز‭ ‬لديهم‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬النُهج‭ ‬الأخرى‭.‬

A+
A-
share
أيلول 2016
أحدث فيديو
تحميل المزيد