شكّلت الأزمة السورية محطة مفصليّة في المسار اللبناني نظراً الى التداعيات السلبية التي خلّفتها على كل المستويات الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية، وما التقرير الذي أصدره البنك الدولي إلاّ دليل على حجم الكارثة التي أصابت لبنان. فقد أشار التقرير الى أن الأزمة السورية كبّدت لبنان أكثر من 10 مليارات دولار توزّعت على الفاتورة الصحيّة التي تكلف كل نازح سوري أكثر من 450 دولاراً، وعلى الفاتورة التعليميّة اذ تضم المدارس الرسمية اللبنانية نحو 450 ألف طالب سوري في مقابل 350 ألف طالب لبناني. كذلك أثّرت على حجم البطالة التي ارتفعت الى %60 في أوساط الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 23 و26 عاماً، وفق مؤسسة «لابورا» للتوظيفات، عدا عن تأثيرها على المؤسسات اللبنانية نتيجة مزاحمة المؤسسات السورية التي تعمل على نحو عشوائي في لبنان. ولكن رغم هذه الصورة السوداوية تبقى هناك استثناءات، فثمة مرافق أفادت من الازمة السورية كمطار رفيق الحريري الدولي، وفق ما يقول رئيس الدائرة التجارية في طيران الشرق الأوسط نزار خوري، إذ يشير الى أن الحركة تأثرت إيجاباً نتيجة لاستخدام السوريين مطار بيروت بديلاً من مطار دمشق الدولي، لافتاً الى أن حركة الركاب في المطار زادت بين كانون الثاني وتموز 2016 بنحو %6,8 عن الفترة عينها من عام 2015، وبلغت ذروتها في عامي 2014 و2015 إذ زادت النسبة بـ%9,9. حالياً، تراجعت وتيرة الحركة نتيجة الإجراءات المتخذة حيال التأشيرات، مع الاشارة الى أن السوريين يستخدمون شبكة خطوط الشركة و يتوجّه معظمهم الى الأردن وتركيا وبعض الدول العربية. ومع تزايد أعداد الذين يستخدمون المطار والذي من المتوقع أن يصل سنة 2016 الى نحو 7,700,000 أي بزيادة %7 عن العام 2015 (7,204,000)، يشير خوري الى «أن سعة المطار وصلت الى حدودها القصوى من ناحية دخول وخروج المسافرين، ويجب العمل سريعاً على توسيع البنى التحتية فيه».
وزني: رسوم بطاقات السفر رفعت الإيرادات
وفق مصلحة الابحاث والدراسات والتوثيق في وزارة السياحة، بلغ مجموع السوريين القادمين عبر مطار بيروت في عام 2012 نحو 121,091، وفي عام 2013 بلغ عددهم 314,889 بزيادة %160. وانخفض العدد في عام 2014 قليلاً ليصل الى 303,182 والى 263,618 في عام 2015. وقد وصل عددهم عام 2016 حتى تموز الماضي الى 195,652.
هذه الأرقام لم يستغربها الخبير الاقتصادي غازي وزني الذي أشار الى أن الازمة السورية وأخطار السفر من دمشق جعلا من مطار بيروت نقطة انتقال عدد كبير من النازحين السوريين ورجال الاعمال الى الخارج. كما كان لاستخدام هذا المطار تأثيراته الايجابية على شركة طيران الشرق الاوسط التي زاد عدد ركابها على نحو لافت. وهذا الأمر انعكس ايضاً إيجاباً على إيرادات الدولة من الرسوم التي تتقاضاها من بطاقات السفر. والأمر الإيجابي الآخر الذي يشير اليه وزني يتعلّق برجال الأعمال السوريين الذين يستخدمون مطار بيروت، وبعضهم يبقى في لبنان أياماً عدة مستخدماً الفنادق في انتظار الانتقال الى الوجهة التي ينوون السفر اليها.
وإذا كان للأزمة السورية انعكاساتها على لبنان، فإنه لم يكن للأزمة التركية العابرة أي أثر على لبنان، سلباً أو ايجاباً، وذلك يعود وفق وزني الى أن السياحة التركية الى لبنان وكذلك الاستثمارات شبه معدومة، فيما تراجع التبادل التجاري بسبب إقفال المعابر.
غبريل: مطار بيروت البوابة الأنسب للسوريين
إستتباب الوضعين الأمني والسياسي في لبنان في أيار 2008 من خلال اتفاق الدوحة، أنعش الحركة السّياحيّة بشكلٍ لافت. إذ ارتفع عدد السّياح الوافدين إلى لبنان بنسبة %31 في الـ2008 و%39 في الـ2009 و%17 في الـ2010. وبالتوازي مع النشاط السياحي، ارتفعت حركة السفر في مطار بيروت، أي عدد الوافدين والمغادرين، بنسبة %21,4 في الـ2008 و%23 في الـ2009 و%11 في الـ2010. وبالتحديد، ارتفع عدد الوافدين بنسبة %21 في الـ2008 و%23 في الـ2009 و%11 في الـ2010، أي ارتفع عدد الوافدين مليون ومئة ألف وافد بين الـ2007 والـ2010، كما وصل عدد السياح إلى 2,16 مليوني سائح في الـ2010.
منذ اندلاع الأزمة السورية في آذار 2011، تراجعت الحركة السياحيّة في لبنان بشكلٍ ملحوظ، إذ تراجع عدد الزائرين %24 في الـ2011 وبنسبة إضافية بلغت %17,5 في الـ2012 و%7 في الـ2013، مما أدّى إلى تراجع عدد السيّاح الوافدين إلى لبنان بـ894 ألف زائر بين الـ2010 والـ2013، وهذا ما شكّل تراجعاً بلغت نسبته %41 في تلك الفترة. ومن المنطقي أن تتأثّر حركة المطار بهذا التراجع الحاد، كونه البوّابة الرئيسيّة، بل الشبه الوحيدة، للأكثرية السّاحقة من السيّاح الوافدين إلى لبنان.
ولكن تراجع الحركة السياحيّة لم يقترن بالتراجع المرتقب في حركة المطار، إذ ارتفع عدد الوافدين والمغادرين بنسبة %27,4 في الـ2011، في حين تراجع عدد السيّاح الوافدين بنسبة %24 في هذا العام. كما ارتفع عدد المغادرين منه بنسبة %28 وتحسّن عدد الوافدين بنسبة %27 في الـ2011، إضافة إلى إرتفاع بنسبة %85,5 لركاب الترانزيت من خلاله. وبناءً عليه، وصل عدد الوافدين إلى لبنان عبر المطار إلى 3,5 ملايين شخص بينما بلغ عدد المغادرين منه 3,52 ملايين في الـ2011، وهما رقمان قياسيّان عند مقارنتهما بعدد مستخدمي المطار في سنوات الطفرة السياحيّة، أي بين الـ2008 و2010.
ويعود هذا الارتفاع الملحوظ في حركة المطار، وفق ما يقول كبير الاقتصاديين ومدير قسم البحوث والدراسات الاقتصاديّة في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل، إلى اندلاع الأزمة السوريّة في آذار الـ2011 وتدهور الأوضاع الأمنيّة في تلك البلاد، واستهداف محيط مطار دمشق الدولي والطرق المؤدّية إليه، وإيقاف شركات الطيران الأجنبيّة رحلاتها تدريجياً إلى سوريا، مما أرغم عدداً كبيراً من السوريين على استخدام مطار رفيق الحريري الدولي نظراً الى قربه الجغرافي من دمشق، وللعدد الكبير من شركات الطيران الأجنبيّة والعربيّة التي تستخدمه، وتالياً الى العدد المهم من الرحلات والى وجود رحلات متصلة (flight connections) من خلال بيروت الى العواصم والمدن الأوروبيّة الكبرى، وإلى وجهات أخرى في أميركا الشماليّة والجنوبيّة وأوستراليا، وغيرها من البلدان والمناطق». وأضاف: «ساعدت مهارة وكالات السفر اللبنانيّة وخبرة شركة طيران الشرق الأوسط في تأمين أماكن على متن الطائرات وتذاكر سفر وبرامج السفر التي طلبها المواطنون السوريون بشكلٍ سريع وبوقتٍ قصير».
هذا المنحى استمرّ في الـ2012، إذ بلغ عدد المغادرين من مطار بيروت ثلاثة ملايين شخص وعدد الوافدين 2,9 مليوني شخص. وهما أيضاً رقمان يناهزان عدد الوافدين والمغادرين في الـ2010 والتي كانت أفضل سنة سياحيّة في تاريخ لبنان الحديث. وعليه، بلغ عدد المغادرين والوافدين عبر مطار بيروت 5,9 ملايين شخص في الـ2012. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يشكّل تراجعاً نسبته %16 عن الرقم القياسي في الـ2011، إلاّ أن هذا التراجع بقي أقلّ من تراجع عدد السيّاح الذي بلغ %17,5 في العام عينه.
وفيما عادت حركة المطار إلى الارتفاع في الـ2013، إذ بلغ عدد الوافدين والمغادرين 6,25 ملايين شخص ما شكل إرتفاعاً بنسبة %6 عن 2012، اعتبر غبريل «أن استمرار الأزمة في سوريا واتساعها جعلا مطار بيروت البوابة الأنسب لعدد كبير من المواطنين السوريين الذين اضطروا للنزوح إلى لبنان والإقامة فيه، وخصوصاً رجال الأعمال السوريين الذين يريدون تسيير أعمالهم واستمرار التواصل مع الخارج. علماً أن الهجرة الدائمة لعدد كبير من العائلات السورية لا تزال مستمرة عبر مطار بيروت». ولفت الى أنه «بالتزامن مع تفاقم الأزمة السورية وارتفاع عدد النازحين السوريين إلى لبنان، وبالتحديد بدءاً من الـ2013، ارتفع عدد الوافدين إلى لبنان من المسؤولين والعاملين في وكالات الإغاثة الأجنبيّة الدوليّة، والجمعيّات غير الحكوميّة، والجمعيّات الخيريّة العربية والأجنبية، وطاقم العاملين في مختلف هيئات الأمم المتحدة، وذلك لإيصال المساعدات إلى النازحين السوريين من خلال هذه المنظمات. وهذا الامر ساهم في ارتفاع وتيرة حركة المطار».
هذه الأرقام أعادت غبريل بالذاكرة الى «الاعتراضات التي تعالت من كل صوب على مشروع توسيع المطار في أواخر التسعينات، إذ اعتبر البعض أن لبنان لن يستطيع استقطاب عدد كافٍ من الوافدين أو من السيّاح لتبرير أعمال توسيع المطار، لنكتشف بعد سنوات أهمية المشروع، وصولاً الى مطالبة عدد من المعنيين بتوسيع طاقات المطار ليستطيع استيعاب عدد أكبر من الوافدين والمغادرين، بغضّ النظر عن التداعيات الموقّتة نسبياً للأزمة السورية على استخدام المطار». ويستند غبريل الى «الارقام القياسية» لحركة السفر عبر المطار، إذ بلغ عدد الوافدين والمغادرين في 2015 نحو 7,2 ملايين شخص، ليؤكد ضرورة هذا المشروع وحيويته.