هوية‭ ‬أم‭ ‬هويات؟

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 أيلول 16 8 دقائق للقراءة
هوية‭ ‬أم‭ ‬هويات؟
تتميّز‭ ‬الحقبة‭ ‬الراهنة‭ ‬بشيوع‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬والمشكلات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭. ‬ترتكب‭ ‬جرائم‭ ‬قتل‭ ‬وإبادة‭ ‬باسم‭ ‬الهويات‭ ‬الدينية‭ ‬والقومية‭ ‬والاتنية،‭ ‬تنتج‭ ‬منها‭ ‬تحوّلات‭ ‬ديمغرافية‭ ‬تتم‭ ‬بواسطة‭ ‬التجنيس‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الترانسفير‮»‬‭ ‬او‭ ‬عبر‭ ‬تفريغ‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬أصحابها‭. ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الهوية‮»‬‭ ‬اكثر‭ ‬تداولاً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حقبة‭ ‬ماضية‭. ‬
الهوية‭ ‬الفردية
تحيل‭ ‬الهوية‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬لدى‭ ‬الشخص‭ ‬من‭ ‬تفرّد،‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬خصائص‭. ‬وهي‭ ‬تشمل‭ ‬مفاهيم‭ ‬مثل‭ ‬وعي‭ ‬الذات‭ ‬وتمثلها‭. ‬والثابت‭ ‬والفريد‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬عند‭ ‬الشخص‭. ‬
هويتي‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يجعلني‭ ‬لا‭ ‬اشبه‭ ‬اي‭ ‬انسان‭ ‬آخر،‭ ‬لأنها‭ ‬نتاجُ‭ ‬تركيب‭ ‬ذهني،‭ ‬وعملية‭ ‬واعية‭ ‬حيناً‭ ‬وغير‭ ‬واعية‭ ‬أحياناً‭ ‬أخرى،‭ ‬مرتبطة‭ ‬بتاريخ‭ ‬الشخص‭ ‬وتجاربه‭. ‬
الهوية‭ ‬الاجتماعية
يشكل‭ ‬مفهوم‭ ‬الهوية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عنصراً‭ ‬ديناميكيّاً‭ ‬يتضمّن‭ ‬بدوره‭ ‬عنصر‭ ‬الهوية‭ ‬الفردية‭. ‬فالهوية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬وعي‮»‬‭ ‬الفرد‭ ‬بانتمائه‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬تاريخية‭ ‬توفر‭ ‬له‭ ‬إطاراً‭ ‬وظيفياً‭ ‬لإشباع‭ ‬حاجته‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬النفسي،‭ ‬وإطاراً‭ ‬مرجعياً‭ ‬لصياغة‭ ‬منظومة‭ ‬قيميّة‭ - ‬ثقافية‭ ‬تنظم‭ ‬إدراكه‭ ‬للعالم‭ ‬وتفاعله‭ ‬معه‭ ‬وتقييمه‭ ‬له‭. ‬يتم‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السعي‭ ‬نحو‭ ‬إنجاز‭ ‬أهداف‭ ‬جماعية‭ ‬مشتركة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتعارض‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬أهدافه‭ ‬الفردية‭ ‬الخاصة‭. ‬
الهوية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬تكون‭ ‬نتاج‭ ‬التجارب‭ ‬المشتركة‭ ‬ونمط‭ ‬الحياة‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬تلك‭ ‬الجماعة‭ ‬التاريخية‭. ‬لكن‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬امتلاك‭ ‬امجاد‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬وارادة‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬الحاضر؛‭ ‬هناك‭ ‬ايضاً‭ ‬انجاز‭ ‬اعمال‭ ‬كبيرة‭ ‬معاً‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬المشترك‭. ‬

الهوية‭ ‬والطائفة‭ ‬والعنف
سيكولوجيا‭ ‬الهوية‭ ‬المجروحة

نسمع‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬شعوب‭ ‬لبنانية‭ ‬وسورية‭ ‬وعراقية،‭ ‬وعن‭ ‬غلبة‭ ‬الهوية‭ ‬الطائفية‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭. ‬فما‭ ‬هي‭ ‬دقة‭ ‬هذه‭ ‬التوصيفات؟
انـدلـع‭ ‬الصـراع‭ ‬السياسي‭ ‬العنيف‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬احتلاله‭ ‬على‭ ‬اسس‭ ‬طائفية‭/‬مذهبية‭ ‬واتنية‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬فلقد‭ ‬اندلع‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬وتحكّم‭ ‬الأقلية‭ ‬الطائفية‭ ‬العلوية‭ ‬ومجموعات‭ ‬معارضة‭ ‬وجماعات‭ ‬تنتمي‭ ‬غالبيتها‭ ‬الى‭ ‬المذهب‭ ‬السني‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الصراع‭ ‬يتحوّل‭ ‬على‭ ‬اساس‭ ‬الهويات‭ ‬الطائفية‭ ‬والعرقية‭. ‬شرّد‭ ‬الملايين‭ ‬وتمّ‭ ‬تهميش‭ ‬فئات‭ ‬اجتماعية‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ووضعوا‭ ‬في‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬الاستثناء‮»‬‭ ‬باتوا‭ ‬يشعرون‭ ‬معها‭ ‬بالتهديد‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬طائفي‭.‬
يتعرض‭ ‬لبنان‭ ‬منذ‭ ‬حرب‭ ‬2006‭ ‬الى‭ ‬انقسام‭ ‬عمودي‭ ‬حاد‭ ‬اتخذ‭ ‬طابعاً‭ ‬مذهبياً‭ ‬كأحد‭ ‬أوجه‭ ‬الصراع‭ ‬الاقليمي‭ ‬الحاد‭ ‬ولاشتراك‭ ‬مكوّنات‭ ‬اساسية‭ ‬لبنانية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬السورية‭.‬
في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوضعيات‭ ‬يتركز‭ ‬اهتمام‭ ‬الشخص‭ ‬ويتمحور‭ ‬وجوده‭ ‬على‭ ‬المكوّن‭ ‬المستهدف‭. ‬ففي‭ ‬صراع‭ ‬الهويات‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬نتعرّف‭ ‬على‭ ‬انفسنا‭ ‬في‭ ‬الانتماء‭ ‬الاكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للتهجّم‭ ‬فنتماهى‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الانتماء‭ ‬بالضبط‭ ‬سواء‭ ‬تبنيناه‭ ‬علناً‭ ‬او‭ ‬اخفيناه‭. ‬والانتماء‭ ‬المقصود‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬اللون‭ ‬او‭ ‬الدين‭ ‬او‭ ‬اللغة‭ ‬او‭ ‬الطبقة‭ ‬او‭ ‬المذهب‭ ‬في‭ ‬حالتنا،‭ ‬يجتاح‭ ‬هويتنا‭ ‬بأكملها‭. ‬والذين‭ ‬يتشاركون‭ ‬فيه‭ ‬يشعرون‭ ‬بالتضامن‭ ‬فيجتمعون‭ ‬ويستنفرون‭ ‬ويحمّس‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضاً‭ ‬ويهاجمون‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬مواجهتهم‭. ‬يصبح‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬فعل‭ ‬شجاعة‭ ‬وتحرّر‭. ‬
وغني‭ ‬عن‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬يحدد‭ ‬انتماء‭ ‬الفرد‭ ‬الى‭ ‬جماعة‭ ‬معينة‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الاساس‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يشبههم‭ ‬وينال‭ ‬حبهم‭ ‬ورضاهم‭. ‬فنجده‭ ‬يخضع‭ ‬لتأثير‭ ‬القريبين‭ ‬منه،‭ ‬اي‭ ‬جماعته‭ ‬واهله‭ ‬وابناء‭ ‬دينه‭ ‬الذين‭ ‬يسعون‭ ‬الى‭ ‬امتلاكه‭. ‬لكنه‭ ‬يتأثر‭ ‬ايضاً‭ - ‬ولو‭ ‬سلباً‭ - ‬بمن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭ ‬لأنهم‭ ‬يحاولون‭ ‬إلغاءه‭. ‬
من‭ ‬هنا‭ ‬تحدث‭ ‬جروح‭ ‬الهوية‭ ‬لأن‭ ‬الآخرين‭ ‬يُشعرونه‭ ‬بأنه‭ ‬مختلف‭ ‬وأن‭ ‬اختلافه‭ ‬وسمٌ‭ ‬له‭ ‬stigmate‭ ‬وعزل‭ ‬فيزيدونه‭ ‬تمسكاً‭ ‬بانتمائه‭.‬
الجروح‭ ‬الناتجة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬الحياة‭ ‬موقف‭ ‬الافراد‭ ‬من‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬كما‭ ‬تحدد‭ ‬تراتبية‭ ‬هذه‭ ‬الانتماءات‭. ‬
الغريب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تلتفت‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الانتماء‭ ‬الحصري‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬متغيّر‭ ‬و‭ ‬ذو‭ ‬أوجه‭. ‬الانتماء‭ ‬هو‭ ‬للوطن،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬البعض‭ ‬يكون‭ ‬للدين‭ ‬أو‭ ‬للقومية‭ ‬أو‭ ‬للغة‭. ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬نسبية‭ ‬فكرة‭ ‬الانتماء‭ ‬نفسها‭. ‬وحيث‭ ‬يطاول‭ ‬التهديد‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الجماعة‭ ‬الاتنية‭ ‬لا‭ ‬يترددون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ضارية‭ ‬مع‭ ‬أبناء‭ ‬دينهم‭ ‬نفسه‭ ‬كما‭ ‬يحصل‭ ‬بين‭ ‬الأتراك‭ ‬والأكراد‭ ‬المسلمين‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬السني‭ - ‬الشيعي‭ ‬المستجد‭. ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬هويتنا‭ ‬المعلنة‭ ‬منسوخة‭ ‬سلباً‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬خصمنا‭.‬
الهوية‭ ‬اللبنانية‭ ‬المهدّدة‭!‬
مؤخراً،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬اللبنانيين‭ ‬يتمسكون‭ ‬بهويتهم‭ ‬اللبنانية‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭: ‬مثل‭ ‬المطالبة‭ ‬بالدولة‭ ‬والتمسك‭ ‬بالعلم‭ ‬ورمزه‭ ‬الارزة‭ (١)‬والاحتفاء‭ ‬بالجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬المطالبة‭ ‬بحصر‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬بيد‭ ‬الدولة‭ ‬وجيشها‭. ‬
اجرى‭ ‬شبلي‭ ‬التلحمي(٢)‭ ‬استفتاء‭ ‬على‭ ‬مراحل‭ ‬عدة‭ ‬وتبين‭ ‬معه‭ ‬ان‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬يعتبرون‭ ‬انفسهم‭ ‬لبنانيين‭ ‬اولاً‭ ‬ارتفعت‭ ‬بعد‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬قبل‭. ‬واستنتج‭ ‬انّ‭ ‬هذا‭ ‬أمراً‭ ‬طبيعياً‭ ‬فالهوية‭ ‬المهددة‭ ‬تصبح‭ ‬الأهم‭ ‬والاقوى‭. ‬الارجح‭ ‬ان‭ ‬لبنان‭ ‬المهدد‭ ‬في‭ ‬وجوده‭ ‬يجعل‭ ‬تمسك‭ ‬اللبنانيين‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬اقوى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭.‬
بشكل‭ ‬عام‭ ‬يمكننا‭ ‬الاقرار‭ ‬بوجود‭ ‬مميّزات‭ ‬عدة‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬هوية‭ ‬او‭ ‬روح‭ ‬لبنانية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬شخصية‭ ‬معين،‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬عامة‭ ‬وفي‭ ‬الفولكلور‭ ‬وفي‭ ‬التراث‭ ‬السياسي‭ ‬والمطبخ‭ ‬والمزاج‭ ‬واللهجات‭ ‬ونزعة‭ ‬الحرية‭ ‬والانفتاح‭... ‬وهذا‭ ‬نفسه‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬السورية‭ ‬بمحتوى‭ ‬مختلف‭. ‬بشكل‭ ‬يمكن‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬هوية‭ ‬اجتماعية‭ ‬ووطنية‭ ‬لبنانية‭ ‬واخرى‭ ‬سورية‭ ‬وعراقية‭ ‬وفلسطينية‭ ‬ومصرية‭....‬
مع‭ ‬ذلك‭ ‬يطل‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يشغل‭ ‬بال‭ ‬الجميع‭: ‬ما‭ ‬مستقبل‭ ‬هذه‭ ‬الهويات‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬تجليّات‭ ‬الانقسام‭ ‬والتعصب‭ ‬والعنف‭ ‬الأهلي‭ ‬الذي‭ ‬نشهده‭ ‬في‭ ‬الحاضر؟
ما‭ ‬ينبغي‭ ‬تسجيله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬ان‭ ‬الاحداث‭ ‬السياسية‭ ‬تتميز‭ ‬بأنها‭ ‬سريعة‭ ‬ومتغيّرة،‭ ‬أما‭ ‬سيكولوجيا‭ ‬البشر‭ ‬فعميقة‭ ‬وبطيئة‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬تتغيّر‭ ‬مع‭ ‬التغيّرات‭ ‬والتبدلات‭ ‬السياسية‭ ‬الآنية‭.‬
كما‭ ‬أن‭ ‬الهوية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للفرد‭ ‬لا‭ ‬تتطابق‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬مع‭ ‬هوية‭ ‬الإطار‭ ‬السياسي‭ ‬للبقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬التي‭ ‬يحيا‭ ‬فيها‭. ‬فتوزع‭ ‬العرب‭ ‬مثلاً‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬ودول‭ ‬عديدة‭ ‬ذات‭ ‬أطر‭ ‬سياسية‭ ‬متباينة‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬ديمومة‭ ‬الانتماء‭ ‬للعروبة‭ ‬كجزء‭ ‬مكمّل‭ ‬لهويتهم،‭ ‬وبوصفه‭ ‬أحد‭ ‬أوجه‭ ‬الهوية‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ايضاً‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬تبعثر‭ ‬الأكراد‭ ‬في‭ ‬أقاليم‭ ‬عدة‭ ‬ودول‭ ‬وطنية‭ ‬متجاورة،‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬نظامها‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬القومي‭ ‬المختلف،‭ ‬من‭ ‬تمسكهم‭ ‬النفسي‭ ‬الصلب‭ ‬بهويتهم‭ ‬الكردية‭ ‬التاريخية‭. ‬والسيرورة‭ ‬نفسها‭ ‬طاولت‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬فازداد‭ ‬تمسكاً‭ ‬بفلسطينيته‭. ‬
إن‭ ‬المنظومة‭ ‬النفسية‭ ‬الجمعية،‭ ‬تتشكل‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬زمني‭ ‬طويل،‭ ‬ولا‭ ‬تطرأ‭ ‬عليها‭ ‬تغيّرات‭ ‬جوهرية‭ ‬إلاّ‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬أيضاً؛‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الحدث‭ ‬السياسي‭ - ‬بسبب‭ ‬سرعته‭ - ‬قد‭ ‬يفرض‭ ‬شروطاً‭ ‬تاريخية‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬السلوك‭ ‬الظاهري‭ ‬لجماعة‭ ‬ما،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬قدرته‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬مماثلة‭ ‬لمنطق‭ ‬تلك‭ ‬الشروط‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬النفسية‭ ‬الداخلية‭ ‬لتلك‭ ‬الجماعة‭. ‬فالحدث‭ ‬السياسي‭ ‬يتحرك‭ ‬ويتموضع‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬أسرع‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬يفعله‭ ‬الأثر‭ ‬السيكولوجي‭ ‬الذي‭ ‬يعكسه‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬والجماعة،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الصلة‭ ‬الجدلية‭ ‬بين‭ ‬الحدثين‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬قدرة‭ ‬شعوب‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بهويتها‭ ‬الوطنية‭ ‬والثقافية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنين‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاحتلالات‭ ‬وحكم‭ ‬الجيوش‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغازية‭ ‬لها‭. ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬انكار‭ ‬حدوث‭ ‬جزئية‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭ ‬قد‭ ‬تصبح‭ ‬مهدِّدة‭ ‬للهوية‭ ‬اذا‭ ‬استمرت‭ ‬زمناً‭ ‬طويلاً‭.‬
ان‭ ‬التوظيف‭ ‬المقصود‭ ‬لتأجيج‭ ‬المشاعر‭ ‬المذهبية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬تصدّع‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة،‭ ‬إنما‭ ‬يؤشر‭ ‬الى‭ ‬تدهور‭ ‬مؤسف‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬الذهنية‭ ‬للمجتمع،‭ ‬خصوصاً‭ ‬لدى‭ ‬النخب‭ ‬والقيادات‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬نمو‭ ‬شخصيته‭ ‬الاجتماعية‭.‬
لكن‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬المأزومة‭ ‬من‭ ‬وضعها‭ ‬عند‭ ‬تغيّر‭ ‬الظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬وحصل‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الالماني‭ ‬في‭ ‬تجربته‭ ‬النازية‭. ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬ان‭ ‬تطغى‭ ‬الخصوصيات،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬نوعها،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العولمة‭ ‬المتسارعة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬العالم‭ ‬مترابطاً‭ ‬متشابكاً‭ ‬كقرية‭ ‬كونية‭.‬
عن‭ ‬اللجوء‭ ‬السوري‭ ‬والعنصرية
منذ‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬حصلت‭ ‬طفرة‭ ‬اللجوء‭ ‬السوري‭ ‬الكثيف‭ ‬الى‭ ‬لبنان،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬ازمة‭ ‬لبنان‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الخطيرة‭ ‬بسبب‭ ‬المشاكل‭ ‬الداخلية‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬انخفاض‭ ‬في‭ ‬عائدات‭ ‬التجارة‭ ‬والسياحة‭ ‬والاستثمار،‭ ‬وزيادة‭ ‬في‭ ‬النفقات‭ ‬العامة،‭ ‬بينما‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬الطلب‭ ‬المتزايد‭. ‬
وبعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬الصراع‭ ‬المفتوح‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬أصبح‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬‮«‬وضع‭ ‬كارثي‮»‬،‭ ‬فهو‭ ‬البلد‭ ‬ذو‭ ‬الرقم‭ ‬الأعلى‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم(٣)،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نسبة‭ ‬عدد‭ ‬اللاجئين‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬المحليين،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬كثافة‭ ‬اللاجئين‭ ‬بالنسبة‭ ‬الى‭ ‬مساحة‭ ‬الأرض‭ ‬الصغيرة‭. ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬له،‭ ‬التوازن‭ ‬المجتمعي‭ ‬المهدد‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬آثاره‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬ازدياد‭ ‬نسبة‭ ‬العنف‭ ‬والجرائم‭ ‬ونوعيتها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ (‬ازدياد‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬نساء‭ ‬الى‭ ‬تقطيع‭ ‬جثث‭ ‬الى‭ ‬مقتولين‭ ‬مجهولي‭ ‬الهوية‭...). ‬
في‭ ‬ضوء‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬نعاين‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬الى‭ ‬آخر‭ ‬هيجاناً‭ ‬اعلامياً‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬اعتداء‭ ‬أمني‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تستفيق‭ ‬عدوانية‭ ‬البعض‭ ‬ضدهم‭ ‬وتبرز‭ ‬متلازمة‭ ‬العنصرية‭ ‬فتوجه‭ ‬اصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬الى‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭. ‬فتجتاحنا‭ ‬موجة‭ ‬تحريض‭ ‬ضد‭ ‬اللجوء‭ ‬السوري‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاحيان‭ ‬عن‭ ‬مسؤولين‭ ‬رسميين‭ ‬في‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬تعميم‭ ‬الكراهية‭ ‬والعنصرية‭ ‬والتمييز‭ ‬ضد‭ ‬اللاجئين‭ ‬بالجملة‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعمّق‭ ‬المشاكل‭ ‬ويفاقمها‭ ‬بدل‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬احتوائها‭.‬
ويجدر‭ ‬بنا‭ ‬هنا‭ ‬الاشارة‭ ‬الى‭ ‬قانون‭ ‬نفس‭ ‬اجتماعي‭: ‬ان‭ ‬اظهار‭ ‬السلبيات‭ ‬فقط‭ ‬وتعميم‭ ‬فكرة‭ ‬ان‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬عنصري‭ ‬ورافض‭ ‬للجوء‭ ‬السوري،‭ ‬لهو‭ ‬افضل‭ ‬هدية‭ ‬للمتعصبين‭ ‬والعنصريين‭ ‬لأنه‭ ‬يزيد‭ ‬في‭ ‬تماسك‭ ‬موقفهم‭ ‬ويقوّي‭ ‬انتماءهم‭ ‬العصبوي‭.‬
يجب‭ ‬اظهار‭ ‬التجاوزات‭ ‬والاستغلال‭ ‬الذي‭ ‬نلاحظ‭ ‬مثله‭ ‬في‭ ‬اكثر‭ ‬المجتمعات‭ ‬تحضّراً‭ ‬والامثلة‭ ‬لا‭ ‬تحصى؛‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تملّق‭ ‬ولا‭ ‬مبالغات‭. ‬
الخوف‭ ‬من‭ ‬الآخر‭ ‬واستغلال‭ ‬الاضعف‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬الانسان‭ ‬ونقاط‭ ‬ضعفه‭. ‬ومن‭ ‬يستغل‭ ‬السوريين‭ ‬والسوريات‭ ‬من‭ ‬اطفال‭ ‬ونساء‭ ‬وشيوخ،‭ ‬هم‭ ‬سوريون‭ ‬ولبنانيون‭ ‬ومن‭ ‬جنسيات‭ ‬متعددة‭. ‬
لذا،‭ ‬ومن‭ ‬اجل‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشعبين،‭ ‬من‭ ‬الاجدى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الايجابيات‭ ‬ايضاً‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬ادانة‭ ‬السلبيات‭ ‬وتضخيمها‭. ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬الطرح‭ ‬العنصري‭ ‬والضوضاء‭ ‬التي‭ ‬يثيرها‭ ‬يطغيان‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬الايجابي‭ ‬والتقبّل‭ ‬الحاصل‭ ‬عموماً‭ ‬للسوريين‭ ‬الموجودين‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬كيفما‭ ‬نتوجه‭ ‬في‭ ‬المحال‭ ‬والمقاهي‭ ‬والمطاعم‭ ‬والسوبرماركت‭ ‬كزبائن‭ ‬وكعمال‭ ‬واصحاب‭ ‬مهن‭ ‬ويتم‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬يحمل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أخطار‭ ‬المنافسة‭ ‬وازدياد‭ ‬البطالة‭ ‬وتدني‭ ‬نوعية‭ ‬الحياة‭ ‬للجميع‭.‬

١) ‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬ارنبيطة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬اشارة‭ ‬الى‭ ‬رفض‭ ‬الانتماء‭ ‬الى‭ ‬فكرة‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬معظم‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬مشاركين‭ ‬في‭ ‬انتفاضة‭ ‬14‭ ‬آذار‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬سيادة‭ ‬لبنان‭ ‬واستقلاله‭ ‬ورفعوا‭ ‬العلم‭ ‬اللبناني‭ ‬كرمز‭ ‬يمثلهم‭.‬
٢) ‭ ‬Telhami‭, ‬Shibley‭:‬The‭ ‬World‭ ‬Through‭ ‬Arab‭ ‬Eyes‭: ‬Arab‭ ‬Public‭ ‬Opinion‭ ‬and‭ ‬the‭ ‬Reshaping‭ ‬of‭ ‬the‭ ‬Middle‭ ‬East‭, ‬Publisher: Basic‭ ‬Books‭, ‬2013‭.‬
٣) ‭ ‬قدر‭ ‬عدد‭ ‬المهاجرين‭ ‬السوريين‭ ‬الى‭ ‬لبنان‭ ‬بـ‭ ‬2،5‭ ‬مليون‭ ‬مقابل‭ ‬4،5‭ ‬ملايين‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬وقدرت‭ ‬ممثلة‭ ‬تركيا‭ ‬عدد‭ ‬المهجرين‭ ‬الى‭ ‬تركيا‭ ‬بـ‭ ‬2‭,‬4‭ ‬مليون‭.‬
وهنا‭ ‬يجب‭ ‬مقارنة‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬الاتراك‭ (‬احصاء‭ ‬2014‭ ‬يقدر‭ ‬السكان‭ ‬بـ‭ ‬81‭,‬619‭ ‬مليوناً‭)‬،‭ ‬في‭ ‬الاردن‭ ‬1‭,‬4‮ ‬مليون‭ ‬سوري‭ %‬22‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬ارقام‭ ‬قدمت‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬كونراد‭ ‬اديناور‭ / ‬الجامعة‭ ‬اللبنانية‭ ‬الأميركية‭: ‬‮«‬أزمة‭ ‬اللجوء‭ ‬السوري‮»‬،‭ ‬بيروت،‭ ‬15‭/‬03‭/‬27‭.‬
A+
A-
share
أيلول 2016
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد