من البديهي أن يمتلك أحدنا حساباً على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، نظراً إلى تعاظم دورها وتأثيرها، حيث لم تعد مهمتها محصورة على التواصل بين الأصدقاء فحسب، إنما تعدّتها إلى تدخل أدق تفاصيل حياتنا لتكوّن عالماً موازياً يشبه عالمنا المادي، برقابة أقل ومساحة تعبير أوسع. عدا عن أنها لا تحتاج إلى ميزانية كبيرة بالإضافة إلى سرعتها في نقل المعلومة، لذلك لديها جرأة أكبر في إظهار وجهة نظر الشارع أو الأفراد بحرية أكبر من "الإعلام التقليدي" الذي لا يزال مرهوناً بيد السلطات في دول العالم الثالث.
رغم كل هذه المميّزات التي تمكّن وسائل التواصل الاجتماعي من التربّع على عرش الإعلام ودخولها ميدان السلطة الخامسة بعد الإعلام التقليدي، والتي غالباً ما يكون لها الأثر الأكبر على عملية صنع القرار، تلك الوسائل تبقى سلاحاً ذا حدين، فهي تستطيع المساهمة في نهوض المجتمع من خلال توعية الأفراد على ثقافة المواطنة وتعريف المواطن بحقوقه وواجباته بعيداً من التعصّب والتبعية، أو يمكنها أن تكون أداة مشبوهة لخدمة جهات معينة.
من هنا يبرز دور المواطنة الفاعلة في توجيه الإعلام الرقمي بعيداً من سياسة اللعب على العواطف، لأنها تمثل ثغرة كبيرة يمكن استغلالها لغايات شخصية وبالأخص عندما نتكلم عن بلد كلبنان له خصوصية مختلفة عن أي بلد آخر، نتيجة ما مرّ به من حروب أهلية أثّرت على تركيبته الإجتماعية، أو بسبب موجة النزوح التي تعرّض لها في الفترة الأخيرة.
لعل أبرز مثال على ذلك، هو حملة العنصرية التي قامت بها بعض الجهات اللبنانية ضد اللاجئين وعلى سبيل المثال: نشرت إحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية تقريراً بعنوان "السرطان يجتاح لبنان... وسببان لانتشاره". قد يبدو العنوان عادياً، لكن ما بين سطور التقرير تحليلات ليس لها أساس علمي، وإنما فقط إتهامات تحمّل اللاجئين مسؤولية إرتفاع نسب الإصابة بالسرطان.
لم تقتصر الشائعات على اللاجئين فقط، بل تعدّتهم إلى أبعد من ذلك. حتى فايروس كورونا كان له حصته من الشائعات من خلال الترويج لأخبار ليس لها صحة عن إصابات بالفايروس في الجنوب وإقليم الخروب، مما دفع وزير الصحة للخروج بتصريحات تطمئن اللبنانيين بعدم تسجيل أي حالة للفايروس في لبنان.
تلك المعلومات المغلوطة أدت إلى وجود هوّة بين مكوّنات المجتمع، إستطاعت بعض منصات وسائل التواصل الإجتماعي ردم جزء منها، وذلك من خلال صناعة مواد إعلامية تعمل على دحض الأخبار الكاذبة. نلاحظ أيضاً أن من يقود هذه المنصات، هم غالباً مجموعات شبابيّة من الناشطين المؤمنين بقضايا مجتمعهم. من هنا يبرز دور هذه المنصات في التوعية المجتمعية وأهمية المواطنة من خلال العمل على تقليص الفروقات العرقية والدينية، بالإضافة إلى تعزيز مفهوم السلام بين اللاجئين والمجتمع المضيف.
لذلك يعتبر هذا النوع من الإعلام طفرة على مستوى مدينة طرابلس بشكل خاص ولبنان بشكل عام. صحيح لم تتعدَّ الصفحات الإفتراضية، لكنها استطاعت التغلّب على كثير من العوائق التي لا تزال القنوات المهمة تقع أحياناً في فخّها، حتى أصبحت تلك الصفحات الإفتراضية هي الرقيب على عمل القنوات الفضائية، إما من طريق فيديوهات ساخرة أو توضيحيّة، لأنها لا تعتمد على الخبرة الإعلامية فحسب، بل تخضع لتدريبات عدة قبل انطلاقتها، حيث تركز على المواطنة وبناء السلم الأهلي.
على سبيل المثال: منصة شدَّة التي هي جزء من منصات عدة على موقع الفايسبوك، تعمل على نقل أفضل صورة لمدينة طرابلس. هذه المنصة فتحت أبوابها للمتطوعين منذ شهر كانون الثاني 2019 وحتى شهر كانون الأول قامت بتدريبات مكثفة عن السلام والمواطنة وصولاً إلى أخلاقيات الصحافة، بالتزامن مع تقنيات الصحافة الرقمية ومهاراتها.
لم يقتصر عمل شدَّة على التدريب فقط، بل رافقها العديد من صناعة الفيديوهات التي تحاكي مشاكل مدينة طرابلس ولبنان بشكل عام من خلال برامج تعرض المشاكل وتقترح الحلول، أو حملات مناصرة لقضية المرأة ومكافحة الإتجار بالبشر، وصولاً إلى الدفاع عن اللاجئين ضد حملات التحريض التي تنتهجها بعض الجهات لمصالحها الضيّقة.
من خلال تلك التجارب البسيطة في عالم وسائل التواصل والممارسة العملية على أرض الواقع، يتضح لنا أنّ أهمية الوسيلة الإعلامية لا تقدّر بما تملكه من تجهيزات فنية أو ميزانية مهولة، لأنّ العالم يملك عدداً من قنوات لا تحصى، لكن هل هذه القنوات متساوية في التأثير؟ طبعاً لا، لأن التأثير لا يكون بالصورة المبهرة فقط أو محاولة تجميل الأمور من خلال كاميرا حديثة، ولأنّ مهمة الإعلام لا تقتصر على نقل الصورة من دون معالجة المشكلة، وهذا ما تحاول المنصات الجديدة فعله.