إن صورة اللاجئين السوريين في لبنان، الذين تشكل النساء والأطفال منهم ما نسبته 78%، هي صورة صنعت بعد استخدام اللاجئات السوريات منذ السنوات الأولى للجوء، واعتبارهن السيدات الحافيات، المغبّرات والباكيات في كثير من الأحيان، العاملات في مجال الجنس، المصطفات في طوابير المعونات، الأميّات والعاملات الزراعيات، رغم أن الكثير من اللبنانيين يرون في مختلف الأماكن لاجئات سوريات مختلفات عن هذه الصورة، لكن هواتفنا النقالة وشاشات التلفاز والتقارير الإخبارية أقوى من حياتنا الفعلية.
لا نتحدث عن هذه الصورة هنا بدافع عرض واقع الحال، بل نتحدث عن إحدى الرسائل الموجّهة إلى المشاهد اللبناني من خلال هذه الصورة: "أنظروا إنهم الفقراء المختلفون بالعادات والتقاليد والثقافة، جاؤوا ليتقاسموا معنا مواردنا القليلة أصلاً" وهكذا بقي الانسان السوري في لبنان مجهولاً مختبئاً خلف هذه الصورة كسبب لنزاع كامن واحتمال وارد في كل لحظة لنزاع ظاهر وعنيف.
ولأن النساء عادة ما يحسنّ تحليل المشكلات بالفطرة، وعادة ما يتقبّلن المكاسب المرحلية وصولاً إلى الهدف وهو رعاية أسرتها التي باتت مسؤولة عنها بشكل شبه كامل، فقد بدأن العمل أفراداً ومجموعات بشكل فطري وغير منظّم في البدايات، لكنهن سبقن المنظمات النسوية والنسائية في إرادة العمل و تحديد الأولويات. ففي حين ركزت المنظمات على تقديم المعونات الإغاثية والدعم النفسي في أحسن الأحوال، فقد توجّهت الأمهات إلى التعليم والبحث عن فرص عمل، نافضة عنها غبار رحلة اللجوء الطويلة والمنهكة. عاماً تلو آخر، بدأت بعض المنظمات السورية واللبنانية في الخروج من قوقعتها وتلتحق بالنساء في المجتمعات المحلية لتعمل معهن على أهداف استراتيجية وتنموية طويلة الأمد.
منذ العام 2017 والنساء السوريات يشاركن مع مجموعات نسوية لبنانية وفلسطينية ومجموعات للعاملات المنزليات ومن مجتمع الميم، في إحياء ذكرى يوم المرأة العالمي في شوارع بيروت. الكثيرات منهن اعطين تصريحات للإعلام تحدثن فيها عن رغبتهن في إسماع أصواتهن بما يتعلق بالشأن السوري بشكل عام وبوضعهن كلاجئات بشكل خاص. كانت هناك نساء سوريات لا يطالبن بالمساعدات أو الإغاثة، بل يطالبن بالعدالة الاجتماعية لكل النساء ضمن شعار "قضايانا متعددة ونضالنا واحد". هذه المسيرات لم تغيّر صورة المرأة السورية في أذهان المشاركات من بقية المجموعات فقط، بل غيّرت أيضاً من ديناميكيّة العلاقة بين مجموعات من المجتمع المضيف واللاجئات، ذهنياً وواقعياً، بأسلوب نموذجي رأوا فيه حقاً النساء اللبنانيات المتضامنات والمدافعات عنهن رغم قساوة شوارع بيروت الملحوظة.
وقد اكتشفنا معهن، في منظمة "النساء الآن للتنمية" التي نظمت هذه المشاركة، أن بناء السلام يبدأ في الشارع، في الأزقة الضيّقة، وفي البيوت على الرغم من اختلاف القضايا والأهداف.
في برنامج آخر، تنفذه منظمة "النساء الآن للتنمية" بعنوان مسرح النساء، إعتلت سيدات سوريات خلال مسرحيتهن "طرحة بيضاء"، خشبات المسارح في بيروت ضمن حملة منظمة "أبعاد" لإلغاء المادة 215 من القانون اللبناني الذي يعفي المغتصب من عقوبة الجرم إذا تزوج المغتصبة، وتحدثن فيه إلى جمهور واسع عن تجارب النساء المتشابهة في مواجهة التمييز والعنف، وفي مسرحية "سُورِيِّة" التي تحدثن فيها عن تجربة اللجوء والفقد وطالبهن بالعدالة الاجتماعية لجميع النساء. وقالت السيدات أيضاً، بالنموذج الحيّ المسموع والمرئي، إنهن يناضلن ليكن ناجيات من العنف ولسن ضحايا نزاع أو مسبّبات له، وإنهن قادرات على أن يكنّ مورد غنى بتجربتهن وخبراتهن بعد المحن التي اجتزنها ويحاولن اجتيازها الآن.
إن إرتياد النساء للمراكز الاجتماعية والدعم النفسي والتأهيل والتدريب، كان ناتجاً بداية عن فطرة واعية تحدد حاجاتهن اللازمة لتغيير الصورة الشائعة عنهن وإرادتهن لتغيير أنفسهن أيضاً. بينما هو اليوم ناتج من فهم عميق لأدوارهن في بناء السلام التي يجب أن يتناول أسباب الظلم الواقع عليهن وعلى قريناتهن اللبنانيات وجميع النساء الموجودات على الأراضي اللبنانية، المهمّشات والمحرومات من حقوقهن بشكل عام، وأنه عليهن مواجهة هذا الظلم بالتعلم والتدريب والسعي لإيجاد فرص عمل تحفظ لهن كرامتهن. فالنساء السوريات الآن، يستطعن عند الحديث عن لبنان، أن يواجهن صورة اللبناني العنصري التي تقفز إلى أذهانهن، وهذا بفضل اندفاع الناشطات اللبنانيات والمدافعات عن حقوق الإنسان والنسويات من مختلف الجنسيات على الأراضي اللبنانية، لتقديم المساعدة والعون والخبرات لهن. كما يستطعن القول أن هناك لبنانين، لبنان الذي ترتهنه الحكومة اللبنانية بتجاذباتها السياسية، ولبنان الشعب العنيد المتضامن والمدافع عن حقهن وحق الانسان في حياة كريمة، كائناً من كان.
منظمة "النساء الآن للتنمية" اللبنانية والتي تعني بتمكين النساء في جميع أماكن وجودهن للمشاركة في جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كانت من أولى المنظمات التي ادركت دور النساء المحليات في عملية التغيير في أي مجتمع وفي أي وضعية قانونية. في العام 2015 بدأت الاهتمام بدور النساء المحليات في بناء السلام على الصعيد المحلي ومع المجتمعات المضيفة في لبنان، وباشرت تصميم برامجها الخاصة التي تدعم النساء في امتلاك الأدوات والمهارات اللازمة لتأديتهن هذا الدور. ومن وجهة نظر خاصة، تقول أن لا طريق نحو السلام سوى بتحقيق العدالة.
|