منذ أكثر من نصف قرن، بدأت مجموعة من الناشطات والناشطين للمساواة بين الجنسين بتحدي التمييز والقوالب النمطيّة السائدة تجاه النساء عبر جبهات متعددة، فتمكنت من الكشف عن الغياب الصارخ لأصوات النساء ووجوههن على الصعيد العالمي. في حين جرت العادة بعرض النساء القلائل الذين تمّ ذكرهن في الأدوار التقليدية، كنساء في مستوى دوني أو كتابعات. وأخيراً، تصوير النساء على أنهن متسامحات مع العنف القائم على نوع الإجتماعي، مشجعات أو مبررات له عبر طرق مبطنة غير واضحة. لذلك، لم يكن درب الكفاح من أجل الحصول على المساواة بين الجنسين سهلاً، بل كان عبارة عن مسيرة الألف ميل في وسائل الإعلام ليس فقط في دول الشمال بل في الجنوب أيضاً.
لحينه تمّ تحقيق الكثير في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. غير أنه ومع ذلك، وفي خضم الاحتفال بالانتصارات في مجال معيّن، تشكّلت نماذج جديدة من القوالب النمطيّة في مكان آخر. ويبدو للناظر أنه لا الوسيط ولا الخبر ولا البرامج الترفيهية بالإضافة إلى المحتوى الثقافي الذي يقدم، تشكل "الرسالة الحقيقية". لأن القضيّة الأساسيّة هي القوّة والسيطرة على الموارد وصنع القرار وقنوات الاتصال، وهذا لم يتغيّر إلاّ قليلاً خلال الخمسين عاماً الماضية.
في الظاهر تحسّن عدد كبير من هذه القضايا، وهذا ليس إنجازاً بسيطاً. فقد باتت أعداد أكبر من النساء تُنتج اليوم المحتوى الإعلامي ويشاركن في تقديمه، إن أمام الكاميرا أو خلفها. وتتناول بذكاء مهني مجموعات كبيرة من المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الحكومية الدولية كما المنظمات الدينية قضايا المساواة بين الجنسين عبر وسائل الإعلام. ويُدرك النشطاء، أفراداً كانوا أو ضمن حركات شعبية الآن، أن الحقول الإعلامية هي ساحة قتال رئيسيّة لمناهضة العنف القائم على النوع الإجتماعي، والترويج لعالم يتمّ فيه الحكم على النساء والرجال معاً، على أساس الجدارة.
لدى معظم الأحزاب السياسية في لبنان اليوم، خطّط إستراتيجيّة وسياسات عمليّة لدعم قضايا المساواة بين الجنسين في برامجها الحزبية أو رسائلها الإعلاميّة.
لكن على الرغم من كلّ هذا التقدم، نسأل من جديد لماذا لا يزال واقع حقل وسائل الإعلام غير عادل تجاه النساء؟ لماذا يتطلّب من النساء القيام بالجهد في العمل مرتين أكثر من الرجال للتقدم في مهنهن، ونشر رسالتهن في المدارس والجامعات، وكسر السقف الزجاجي في الأعمال السينمائيّة، وصناعة الموسيقى، والمسرح، والفن والتصميم؟. أحد هذه الأسباب هو أن السلطة الأبوية لا تزال تستثمر في الظلم الإجتماعي في مكان العمل، في ما يتعلق بالتشريعات المتعلقة بحقوق الأسرة، أو حقوق المواطنة الكاملة للمرأة اللبنانية. الواقع هو أنه يُنظر إلى المساواة في قطاع الإعلام على أنها تهديد للأبوة.
ولن ننسى التحدث عن مشكلة رئيسيّة أخرى هي المحسوبية أو"الإنتقاء التفضيلي"، حيث يتمّ توظيف النساء على أساس نظام "الواسطة" (المحاباة)، أو يتمّ الترويج لهن من قبل الرجال بعيداً ومن دون دعم الشبكات والحركات النسائية، والتي يمكن أن "تغطي ظهورهن" حين يبدأن خطوات الترقي في السلم الوظيفي، في عالم الرجل.
أخيراً، ما زالت الوسيلة هي الرسالة، والتمييز الجنسي، وحتّى العنف القائم على النوع الإجتماعي، في قطاع الإعلام الرقميّ بحالة سيئة ومماثلة لما كانت عليه في الأيام الغابرة مع بداية عمل النساء في الصحف والمجلات والبث الإذاعي.
تشغل النساء اليوم مناصب قيادية متزايدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد انضم إليهن العديد من الرجال لمواجهة القوالب النمطيّة السائدة والحدّ من العنف القائم على النوع الإجتماعي. وهم يركزون كل جهودهم، وبشكل استراتيجي، من أجل القضاء على مكمن عدم المساواة بين الجنسين في وسائل الإعلام وجذوره، والافتقار إلى تفعيل نظام الجدارة في المجتمع اللبناني.
يتطلّب هذا الصراع مشاركة أصوات الجميع من كافّة الهويّات الإجتماعيّة والطوائف، كما كلّ الطبقات الإجتماعية، إذا أردنا أن نحدث فرقاً مجتمعياً، جماعياً في السنوات الخمسين القادمة.