إلى متى يبقى النازحون السوريون ضحايا المصالح السياسية؟

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 كانون الأول 17 5 دقائق للقراءة
إلى متى يبقى النازحون السوريون ضحايا المصالح السياسية؟
حدث أن نائباً لبنانياً وقف، في مجلس النواب، مطالباً بفرض رسم بقيمة مئة دولار على العابرين إلى لبنان براً من غير اللبنانيين. طبعاً لم يتردد بالإعلان عن أن غايته هي مواجهة النزوح السوري إلى لبنان. وهو وجد في اقتراحه هذا حلاً مثالياً لمسألة النزوح السوري، منطلقاً من بند في قانون الضرائب يضع رسم دخول بقيمة خمسة آلاف ليرة على العابرين عبر الحدود البرية.
وبالرغم من توضيح وزير المالية في الجلسة التشريعية التي عقدت لمناقشة قانون الضرائب، بأن ثمة معاهدات واتفاقات تحكم العلاقة بين البلدين، وبالتالي لا يمكن وضع الرسوم عشوائياً، أجاب النائب عينه: عن أي اتفاقات تتحدثون بعدما وصل عدد النازحين إلى المليونين؟
ذلك النائب استسهل اعتبار النزوح السوري غير قانوني، لكن خرج من يقول له إن ذلك ليس دقيقاً. فقد وقف الوزير المعترض، رافضاً تمرير هذه العبارة، وقال: للمناسبة، وجود النازحين لا يتعارض مع القانون.
يختزل هذا النقاش كيفية تعامل السلطة اللبنانية مع ملف النزوح، الذي تتحكم به العشوائية والخفة، التي تضاف إلى الاستغلال السياسي لقضية النازحين لتحقيق مآرب من هنا وهناك.
مليونا نازح، هو الرقم السهل الذي يُتداول بين السياسيين، وهو بطبيعة الحال أكبر من الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تصل إلى النصف بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ولأن لا جدية في التعامل مع الملف، فإن كل مساعي السلطة لم تؤد حتى اليوم إلى أي تعديل في هذه الأعداد. وطالما أن الحرب في سوريا لم تضع أوزارها بعد، فإن المجتمع الدولي يُبدي تحفظاً على إعادة النازحين إلى مناطقهم، خوفاً من تعرضهم للخطر مجدداً، فيما لبنان الرسمي يعمل جاهداً لإبعاد كأس التوطين الذي يعتبره كثير من الدول أحد الحلول لقضية النازحين. وقد سبق وأعلن الرئيس الأميركي ذلك من منبر الأمم المتحدة.
إن عدم وجود رؤية موحدة لقضية النازحين لدى أركان السلطة يرتبط ارتباطاً وثيقاً  بالخلاف السياسي الحاد حول الأزمة السورية منذ بدايتها. وهذا الخلاف يُعاد تظهيره مع كل مناسبة، وعلى كل نقطة، إن كانت تتعلق بالتوقيت المناسب للعودة أو المناطق التي يجب أن يعود إليها النازحون؛ والأهم، عبر أي قناة؟ فالخلاف على أشده بين الساعين إلى عودة النازحين بالتنسيق مع الحكومة السورية وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، وبين الرافضين لأي تواصل مع تلك الحكومة وعلى رأسهم رئيس الحكومة، والذين يفضلون أن تكون الأمم المتحدة هي الوسيط، وهي حتى الآن ترى «أنّ الظروف غير مؤاتية للعودة».
الخلافات داخل الحكومة لا تقل عن خارجها. الأكيد أن لا مرجعية موحدة لملف النازحين، كما لا توافق سياسياً بشأنه. كل فريق يعمل على معالجة الموضوع بشكل مستقل. وكلما حاول فريق فرض وجهة نظره على الآخرين اصطدم بمعارضة شرسة. سبق أن تقدمت وزارة شؤون النازحين بتصوّر وُضع على طاولة اللجنة الوزاريّة لشؤون النازحين فكان أن طلب فرقاء سحبه من التداول. كما أن ورقة وزارة الخارجية لا تزال عصية على الدخول إلى مجلس الوزراء، بسبب الخلافات بشأنها. رئيس الحكومة يتحدث في رحلاته الخارجية بخطاب، بينما يتحدّث رئيس الجمهورية في رحلاته بخطاب آخر. مؤخراً، قام بمبادرة شخصية، فسلّم سفراء الدول الخمس الكبرى وممثلي الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والجامعة العربية رسائل إلى المناطق المستقرة والمنخفضة التوتر، رافضاً ربط العودة بالحل السياسي، معتبراً أن هناك مصلحة بألا يحصل انفجار في لبنان نتيجة أزمة النزوح.
هذا الاختلاف يؤكد أن لا سياسة موحدة للتعامل مع ملف النازحين، تحديداً في ما يخصّ الشق المتعلق بالعودة إلى سوريا. لكن في المقابل، لا يزال الجميع ملتزماً الاتفاق الوزاري الذي أنجز في العام 2015، والذي ينص على: رفض التوطين، وقف اللجوء بصورة نهائية (باستثناء الحالات الإنسانية)، فقدان أي سوري يعود إلى سوريا، لأي سبب كان، صفته كنازح. وخلافاً لما يتم تسويقه والتخويف من تداعياته عن أعداد هائلة من المواليد السوريين غير المسجلين، قد يتحولون إلى مكتومي قيد في لبنان، فإن الحكومة السابقة قد اعتبرت أن تسجيل المواليد في السفارة أو مفوضية اللاجئين يرفع صفة مكتوم القيد عن المولود فوراً. وهذه نقاط أعاد وزير الخارجية جبران باسيل التأكيد عليها في الورقة التي قدمها إلى الحكومة، والتي اقترح فيها الأسس لخطة شاملة تمهّد لعودة النازحين الآمنة. ويقترح باسيل في الورقة أن تقوم الحكومة تدريجياً بخطوات تؤدي إلى تشجيع السوريين للعودة إلى بلدهم، والتمهيد لهذه العودة بطريقة متطابقة مع الالتزامات الدولية.
بعيداً عن الخلاف بشأن طريقة العودة، فإن «العنف السياسي» تجاه النازحين بدأ يزداد في الآونة الأخيرة. كثر يربطون بينه وبين اقتراب موعد الانتخابات النيابية. يعتقد المرشحون المفترضون أن التركيز على ملف النازحين يعزز حضورهم الانتخابي. وهم لذلك لا يتناولونه من بابه الرسمي الساعي إلى إيجاد حلول منطقية وعلمية لأزمة النزوح، إنما من باب المزايدات السياسية التي لا تفيد لا النازحين ولا المجتمعات المضيفة، لا بل تساهم في زيادة التوتر بين الفئتين. ويرى بعض السياسيين، وهم مرشحون مفترضون للانتخابات النيابية، أن التصويب على النازحين يزيد من أسهمهم في الانتخابات، إيماناً منهم أن الناخبين صاروا يرفضون النازحين السوريين، لاقتناعهم أنهم يزاحمونهم على لقمة العيش.
إن عودة السوريين إلى بلدانهم هو الشعار الأشهر للتسويق، كما الحديث عن ضرورة محاصرتهم في تحركاتهم في البلدات والمدن المختلفة. وهذه المزايدات تتناسق مع حالة من العنصرية تواجه النازحين في أكثر من منطقة، إن كان عبر منع التجول ليلاً أو عبر طردهم جماعياً من القرى. كما تتناسق مع مظاهر عنف تجاههم، فقط لأنهم سوريون. أما النتيجة فمزيد من العنصرية، التي تؤدي ببعض النازحين إلى عدم مبارحة أماكن سكنهم، خوفاً على أنفسهم وعلى عائلاتهم من العنف غير المبرر والتعميم والأحكام المسبقة ووصمهم بالإرهاب حيناً وبالإجرام حيناً آخر. علماً أن إحصاءات وزارة الداخلية تشير إلى أن مستوى الجريمة عند السوريين لا يتخطى مستواها عند اللبنانيين، بالرغم من الفارق الشاسع في المستوى المعيشي وظروف العيش. ليس الحل حكماً في تعميم الخوف بين النازحين. لكن هذا ما حصل بعد سلسلة من الاعتداءات التي واجهتهم وساهمت في ترويعهم. يقول وزير الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس، «نحن نعيش بأمان لأن السوريين «طيبون»، فلو أرادوا تنظيم أنفسهم اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً لكانوا غيَّروا وجه لبنان». ليضيف: «علينا أن نخرج من وكر الأفاعي ونرى الواقع كما هو ومن دون تضخيم».
A+
A-
share
كانون الأول 2017
أنظر أيضا
07 أيار 2020 بقلم جورج حابك، صحافي
07 أيار 2020
بقلم جورج حابك، صحافي
01 كانون الأول 2015
01 كانون الأول 2015
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
16 آب 2024 بقلم كاثرين ابراهيم، صحافية
16 آب 2024
بقلم كاثرين ابراهيم، صحافية
16 آب 2024 بقلم روان مهنا، صحافية
16 آب 2024
بقلم روان مهنا، صحافية
تحميل المزيد