الزواج المختلط: حين يُسقط الحب الحواجز

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 كانون الأول 17 6 دقائق للقراءة
الزواج المختلط: حين يُسقط الحب الحواجز
© رسم نويل كسرواني
سواء كان الاختلاف على صعيد الجنسية أم الطائفة، غالبًا ما يواجه الأزواج المختلطون المعارضة. أولاً، عليهم إقناع عائلاتهم بقرارهم. من ثم، عليهم جعل البيئة المحيطة تتقبّلهم. يتشارك ثلاثة أزواج تجربتهم.
عائق إجتماعي

منذ اثنتي عشرة سنة، عندما قرّر وليد وروى الارتباط، لم تُطرَح مشكلة الطائفة من ناحية الزوج المستقبلي الذي يقول: «لقد تربيت على فكر قومي لا مكان للدين والطائفة فيه. لطالما أردت أن أعقد زواجًا مدنيًا، خاصة أنني لم أكن أمارس واجباتي الدينية».
إلا أن المشكلة طُرِحَت من جانب الشابة التي تنتمي إلى الطائفة الدرزية. وتذكُر روى: «على الرغم من أن عائلتي شهدت الكثير من الزيجات المختلطة، إلا أنني واجهت صعوبات جمة في إقناع أهلي بقراري. كان العائق اجتماعياً أكثر منه دينياً. في مجتمعنا، لا يصبح الإنسان درزياً بل يولد درزياً. وبالتالي، فإن تزوجت من رجل من طائفة مختلفة، من المستحيل أن يكون أولادي دروزًا. لذلك يخشى كبار السن من أن يخسروا فردًا من الطائفة، بالأخص أننا أقلية. لم يطرح الدين بحد ذاته أي مشكلة أبدًا. فأنا ترعرعت في عائلة منفتحة على الآخرين. لطالما كان لأهلي أصدقاء من طوائف مختلفة، وكنا نشاركهم أعيادهم. وأنا تلقيت علومي المدرسية والجامعية في مؤسسات كنت  أصادق فيها أشخاصًا من طوائف مختلفة. لم يكن عندي يومًا خوف من الآخر».
على الرغم من ذلك، كانت الصدمة سيدة الموقف عندما تعرّفت روى على أصدقاء وليد. وتقول: «لطالما اعتقدت أن المسيحيين منفتحون. تفاجأت برد فعل أصدقائه الذين تعجبوا من زواجنا المدني، ولم يتوقفوا عن طرح شتى أنواع الأسئلة علينا. كانوا يريدون معرفة ما إذا كان زواجنا «قانونيًا»، إذا كنا نعيش «في الخطيئة»، وإلى أية طائفة سينتمي أولادنا... بالنسبة إليهم، كنت أنتمي إلى بيئة يجهلونها بالكامل. إلا أنهم استنتجوا، مع مرور الوقت، أنه رغم كوني من طائفة مختلفة، إلا أنني لم أكن أسعى إلى اقتلاع وليد من عائلته وبيئته. لا بل على العكس من ذلك، فقد انخرطت في  أجوائهم».
ويضيف وليد: «علاقتنا غنية على أكثر من صعيد. أنا لا أقيّم الشخص بناءً على قناعاته  القابلة للتغير على مرّ السنين. عندما تزوجنا، لم أكن ممارسًا للواجبات الدينية. اليوم أنا مؤمن، إنما على طريقتي. لم تعترض روى يومًا، كما ليس لديها أي مشكلة في أن أصلي أمامها. لو لم تكن منفتحة تجاه الآخرين، أظن بأن هذا الأمر كان بإمكانه خلق مشكلة في ما بيننا».
بالنسبة إلى روى، «الأولاد هم معيار درجة الانفتاح حيال الآخر». لو كان لدي أولاد، لكنت وجّهت رسالة إلى المجتمع الطائفي أظهر له فيها أنه بالإمكان، حتى في زواج مختلط، تربية الأولاد لكي يصبحوا روحانيين إلى حد بعيد، ولكي يعرفوا الربّ بكل روعته، بعيدًا عن التمييز الطائفي الاختزالي». وهي تؤكّد: «كنت علّمتهم أن يستخلصوا حسنات الدين المسيحي والعقيدة الدرزية».

«التمييز يغضبني»
 
لقد تزوّجا حديثًا، إلا أن قصتهما بدأت منذ أربع سنوات. تعرّفت نيفين  إلى عبده عن طريق أعزّ صديقاتها التي كانت تأخذ دروسًا في الرقص معه. وتروي: «كانت صديقتي مقتنعة بأننا سنتّفق لأننا متشابهان في أكثر من ناحية».
عندما أرادت الشابة أن تعرّف شريكها على أهلها، أتى الجواب نفيًا قاطعًا. وتتذكر: «عندما علموا بأن عبده سوري، رفضوا الاستماع إليّ». وقد قمت بمواجهتهم لأول مرة في حياتي. لم أحتمل فكرة أن رفضهم سببه أن عبده سوري. قلت لهم إنني كنت مستعدة لأن أتركه، بشرط أن يتعرّفوا عليه أولاً».  وفي نهاية المطاف خضعوا لارادة الشابة. إلا أن والدها كان يحاول إقناعها بالعدول عن هذه العلاقة، التي لن «تتسبب لها إلا بالمشاكل» ومنها:  نظرة اللبنانيين إلى السوريين، واستحالة نقل الجنسية اللبنانية إلى الأولاد...».
وتقرّ الشابة: «كنت مستعدة لقبول هذه التحديات لأنني كنت لأول مرة في حياتي جاهزة للإرتباط». وقد تم اللقاء على ما يرام. وتضيف: «لقد اطمأنوا بعد أن تعرّفوا على عائلة عبده. واستنتجوا أننا نتشارك القيم ذاتها، مع أننا كنا ننتمي إلى بيئتين مختلفَتين. اليوم، أهلي قادرون على الاصطفاف إلى جانب عبده في حال نشب بيننا سوء تفاهم».
من ناحية عبده، لم تُطرَح مشكلة الجنسية، «لأن جدتي  لأبي  لبنانية»؛ ويتابع: «أبي وعمي ولدا في لبنان. وأنا أحب اللكنة اللبنانية التي تذكرني بجدتي».
عندما جاء ليستقر في لبنان منذ عشر سنوات، تعجّب عبده من العداء الذي يكنه اللبنانيون تجاه السوريين. ويضيف: «لم أكن على علم جيد بالتوترات بين الشعبَين. في البداية، كنت أتفادى  التطرّق إلى مواضيع سياسية أو التكلم بلكنة سورية ، وتغيّر الأمر برمته عندما تعرّفت على نيفين». ويؤكد: «للمرة الأولى في عشر سنوات، استطعت أخيرًا التكلّم عن مواضيع كانت تهمني. من خلال علاقتنا، استطعت احداث تغيير في محيطَينا للرؤية التي كان يحملها أصدقاؤنا حيال الشعبَين. واستنتج أصدقائي أن اللبنانيين كافة ليسوا متغطرسين أو متعجرفين».
من ناحية نيفين، اكتشف أصدقاؤها «وجود سوريين جيّدين». وتقول: «لا ينفك أحد أصدقائي عن القول بأن عبده هو السوري الوحيد الذي يحبه. إلا أن آخرين يستمرون في سؤالي عما إذا كانت لدي مشكلة  في كونه سوريًا. وقد فهم الأشخاص في محيطي أنه ليس بإمكاننا وضع الجميع في خانة واحدة. أما في ما يتعلّق بي، فلم أحكم يومًا على إنسان بحسب جنسيته، لا بل وفقًا لإنسانيته. ولطالما أغاظني التمييز منذ طفولتي».

كسر المحرّمات
لا يمت زواجهما إلى التقليديّ بصلة، أقلّه بالنسبة إلى مجتمع كالمجتمع اللبناني. زيد لبناني ومكدس إثيوبية. وقد كلّفهما هذا الاقتران في البداية مشاكل إدارية عدّة: لتسجيل زواجهما المدني المنعقد في إثيوبيا أولاً، «وهو إجراء استغرق ما يقارب السنة»، ثم لتسجيل ولدهما الذي وُلِد بعد ثلاثة أشهر تقريبًا من زواجهما، «إذ أن السلطات اعتبرته غير شرعي»، وأخيرًا لتجديد إقامة مكدس، بعد مرور سنة على زواجهما، «لأنهم كانوا يحاولون ترحيلها». ويقرّ زيد: «لقد عشنا حالة قلق لعدة أشهر». وتشكو المرأة الشابة: «لقد بقيت من دون إقامة ومن دون جواز سفر لمدة قاربت السنة». أخيرًا، عقب صدور مقال لاذع في الصحافة، وبمساعدة «واسطة»، تمّ تسجيل الولد واستطاعت مكدس الحصول على الجنسية اللبنانية.
على الصعيد الاجتماعي، يعتبر الزوج «أنه لم يواجه مشاكل جسيمة». وتقول مكدس: «يضحكني استغراب الناس. ما الضرر في أنني تزوجت لبنانيًا؟».
ويؤكد زيد من ناحيته: «في حيّنا (يعيش الزوج في الأشرفية)، الجميع يحبها. الناس ليسوا عنصريين كثيرًا. إلا أن الأمور كانت اختلفت على الأرجح لو كنا نقطن في منطقة أخرى». ويكمل: «أنا أتنقل كثيرًا في سيارات الأجرة-سرفيس. عندما يرى الناس إبني، يستنتجون أن زوجتي إثيوبية؛ ويبدأ عندها البوح بالأسرار. ويظهر فجأة أن الجميع قد وقع في حب هذه الإثيوبية أو تلك. إلا أن قصصهم لم تستمر بسبب الضغوطات العائلية».
وقد نجح زيد ومكدس، عن طريق زواجهما، بفسخ المحرّمات في محيطهما. ويقول زيد بلهجة مضحكة: «جميع أصدقائي يأكلون الآن الطعام الإثيوبي. في البداية، كنا ننظم العديد من السهرات الإثيوبية وكانت مكدس تطهو للجميع. وقد بدأت الحواجز تسقط مع الوقت. يعيش العديد من اللبنانيين في فقَّاعتهم. بالنسبة إليهم، كل ما يوجد خارج هذه الفقَّاعة غريب. في محيطنا، لم يعد الأشخاص ينظرون إلى الإثيوبيات بنظرة متعالية، بل يعاملونهن على قدم من المساواة. علاوةً على ذلك، فإن الكثير من معارفنا تزوجوا أيضًا من إثيوبيات. إلا أنني لا أزال أواجه أشخاصًا يسألونني كمًا هائلًا من الأسئلة».
عندما تزوّج من مكدس، اعتقد زيد أنه سوف يندمج بالمحيط الإثيوبي وأن ابنه سيكون له وطنان، إلا أن العكس حصل. ويقول: «لقد انخرطت زوجتي في المجتمع اللبناني. أما ابني، فهو يتكلّم الفرنسية والعربية». إلا أن مكدس تؤكد، مازحةً: «لن يكون الوضع على حاله مع الولد الثاني. سوف أعلّمه اللغة الإثيوبية لكي يعلّمها بدوره لأخيه».

A+
A-
share
كانون الأول 2017
أنظر أيضا
01 كانون الأول 2016
01 كانون الأول 2016
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد