شوارع لبنان تخنق الطفولة السورية

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 تموز 15 4 دقائق للقراءة
شوارع لبنان تخنق الطفولة السورية
لا تقتصر طلبات الأطفال السوريين المتسوّلين عند التقاطعات الرئيسية في لبنان على المال فقط، فبعضهم يطلبون الماء أو الطعام، ويشيرون بأيديهم الصغيرة إلى بقية أفراد العائلة المتربّعين على الرصيف.
لا تجد إحدى الفتيات الصغيرات التي غابت عيناها تحت رموشها المغبرة حرجاً في طلب قنينة الماء الموجودة قرب السائق لأن «أمي عطشانة»، أو أن تطلب من السائقين ثمن «علبة أندومي لأنني جوعانة»، وهي تضع يدها على بطنها في تعبير طفولي عن حالة الجوع. وفي بعض الحالات يختبئ الأطفال خلف أكياس المحارم أو الأقلام أو الورود التي تحقق لهم أرباحاً بسيطة في محاولة لتولّي مهمة الكبار في تأمين مصروف العائلة.
ومع ازدحام التقاطعات الرئيسية والفرعية بالأطفال المتسوّلين راح عدد منهم يتنقل بين المحال التجارية والمطاعم لبيع الورد أو المحارم والأقلام، فتحولت الطفلة السورية علا إلى ضيف يومي في أحد مطاعم مدينة طرابلس شمال لبنان لبيع الورود، وسط ترحيب من إدارة المطعم. لكن حظ الأطفال مع مالكي المطاعم وموظفيها ليس جيداً دوماً، فقد تعرض طفل سوري للضرب على يد موظف في أحد المقاهي المشهورة في شارع الحمرا ببيروت، وتلت الحادثة موجة غضب «إفتراضي» على مواقع التواصل الإجتماعي، ثم وقفة يتيمة أمام المقهى للمطالبة بمحاسبة الموظف.
لكن الاعتداءات التي تطاول الأطفال السوريين من قبل مالكي المحال التجارية والموظفين لم تنته في مختلف المناطق اللبنانية. ولم يقتصر الأمر على الضرب، فقد قضت الطفلة فاطمة دهساً في مدينة صيدا جنوب لبنان أثناء محاولتها بيع ما تبقى معها من ورود قبيل منتصف الليل. وفي حين لم يتم التعرف على هوية السائق الذي دهسها، نظم عدد من الشبان في صيدا حملة «بائعة الورد» في محاولة لتسليط الضوء على المخاطر التي يتعرض لها الأطفال اللاجئون في شوارع لبنان. وتعاون عدد من المحطات التلفزيونية اللبنانية في نقل رسالة الحملة من خلال استضافة أعضائها، وشرح المخاطر التي يتعرض لها الأطفال نفسياً وجسدياً في الشوارع. وأشار منظمو الحملة إلى تضاعف هذه المخاطر في ساعات الليل وفي الأماكن المعزولة.
وبحسب تقرير لمنظمة «كير» البريطانية صدر في حزيران من العام الماضي، فإن «أكثر من 50 ألف طفل سوري لاجئ في لبنان يعملون في ظروف صعبة ولمدة 12 ساعة يومياً للمساعدة في توفير الطعام والمأوى لأسرهم»، ولا تتجاوز نسبة الأطفال السوريين الذين يتلقون التعليم في المدارس في لبنان 30 % من مجموع الأطفال اللاجئين، بحسب الدراسة أيضاً. ويُظهر هؤلاء الأطفال العديد من مؤشرات العنف اللفظي والجسدي من خلال تناقل المصطلحات العنصرية والطائفية، وحتى حمل الأدوات الحادة، والإنعزال أو الخوف من المجتمع. وتحاول الجمعيات الأهلية والأممية تقديم برامج الدعم النفسي والإجتماعي للأطفال، إلى جانب المناهج الأكاديمية. أما أطفال الشوارع المعرضون بشكل أكبر لمشاكل اجتماعية ونفسية وحتى جسدية فهم محرومون من أشكال الدعم هذه نتيجة عدم وجودهم في المدارس الخاصة باللاجئين، مع لجوء بعض الأهل إلى خيار إجبار أبنائهم على التسوّل أو العمل لتأمين مستلزمات الحياة.
ووفق دراسة مشتركة أعدتها وزارة العمل اللبنانية مع «منظمة العمل الدولية»، و«جمعية إنقاذ الأطفال» في شباط المنصرم، يشكل الأطفال السوريون نسبة 73 % من أطفال الشوارع في لبنان، وتعاني غالبيتهم «من العنف الأسري والجسدي، والإستغلال الجنسي». وقد وصفهم وزير العمل اللبناني سجعان قزي، خلال إطلاق الدراسة بـ«القنابل الموقوتة، ومشاريع إرهابيين محتملين». وأشار إلى أهمية التعاطي معهم من منطلق إنساني «لأنهم من لحمنا ودمنا»، واعداً بالإنتهاء من دراسة بناء مركز إيواء للأطفال اللاجئين في آذار الماضي وهو ما لم يتم، إنما اقتصر العمل على إطلاق الموقع الإلكتروني التابع لـ«وحدة مكافحة عمل الأطفال» في وزارة العمل.
وعلى الأرض يمتنع عناصر قوى الأمن الداخلي عن توقيف الأطفال إلاّ في حالات تعاطي المخدرات أو ترويجها، بسبب عدم وجود مراكز إحتجاز متخصصة للأحداث في مراكز الشرطة، وكذلك بسبب إكتظاظ أقسام الأحداث في السجون اللبنانية. ويشير عدد من الضباط إلى إضطرارهم للتغاضي عن كثير من الحالات الجرمية لدى أطفال الشوارع لهذه الأسباب.
ويخشى مراقبون من تطور ملف عمالة الأطفال السوريين وتعقّد أنواع المشكلات الإجتماعية التي يطرحها وجودهم في الشوارع، من الزواج المبكر مع تزويج اللاجئين السوريين بناتهم وهنّ صغيرات من أجل توفير المال، أو لحمايتهن من المشاكل التي تعانيها غير المتزوجات، أو من احتراف الدعارة. كما تبدو إمكانية انضمام الأطفال إلى عصابات السرقة أو الإتجاه نحو التشدد الديني أو التحول إلى جنود-أطفال، سيناريوهات واقعية في ظل تفاقم المشكلة في شوارع لبنان. وتربط هيئة الأمم المتحدة معالجة ملف عمالة الأطفال السوريين اللاجئين بتأمين الغذاء لأسرهم بشكل دائم، «لأن لوقف صرف المعونة الغذائية وقعاً خطيراً على الأطفال»، إذ إنه «من المرجح جداً أن تضطر الأسر الواقعة تحت ضغوط إضافية إلى دفع أطفالها للعمل أو الزواج المبكر».
وفي كل الحالات يؤدي ضعف الإحصاءات الرسمية المرتبطة بملف عمالة الأطفال السوريين إلى تشكّل حال من الضبابية حوله على صعيد الأرقام، وعلى صعيد الحلول أيضاً.
A+
A-
share
تموز 2015
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد