وليس جديداً القول أن العنف ضد النساء متأصل في معظم المجتمعات، وإذا أضفنا إليه العنف الناتج من التهجير نرى خصوصية ما تتعرَّض له اللاجئات وخصوصاً السوريات منهن، والناجم عن الظرف الاقتصادي والاجتماعي الذي يفرضه اللجوء. فبحكم بُعد المخيمات عن المدن، وضآلة فرص العمل، تتحول المخيمات سجونا، في ظل التعقيدات الأحدث التي تفرضها الدولة ولاسيما الأمن العام على اللّاجئين واللّاجئات، بما فيها تعقيد دخولهم إلى لبنان أو أوراقهم الرسمية وأوراق إقامتهم، مما يحد من قدرتهم على التنقل. يضاف إلى ذلك حظر التجول الذي فرضته بعض البلديات في بيروت وخارجها، والتي حوّلت حياة اللاجئات سجناً داخل سجن. فعدد كبير منهن (وذلك طبعاً مرتبط بأوضاعهن الاجتماعية) غير قادرات على الخروج من لبنان للعودة إلى بلدهن بسبب الحرب، أو السفر إلى بلد آخر لأسباب اقتصادية وتأشيرات الدخول. لكل هذه الأسباب باتت اللاجئات يعشن ضمن حيّز يخضعن فيه للعنف، كما أن الأنظمة المؤسساتية الموضوعة «لتنظيم اللجوء» جعلتهن في أوضاع هشّة تتفاقم مع استغلالهن على صعيد العمل و حتى في الشارع. فكثير من اللاجئات يتعرضن للتحرّش، ولا يستطعن محاسبة المعنِّفين والمستغلِّين لهن، فحتى رجال الشرطة يعاملونهن في معظم الأحيان بشتى أنواع العنف اللفظي والمعنوي.
كل هذه العوامل تعقّد دخول اللاجئات سوق العمل بحثاً عن لقمة العيش فيتّكلن على خدمات المؤسسات غير الحكومية، المحلية منها والعالمية، والتي لم تعد تستطيع تغطية حاجاتهن بسبب تفاقم الأزمة. إضافة إلى ذلك، حدّدت وزارة العمل اللبنانية منذ فترة المهن التي يحقّ للاجئين السوريين ممارستها، وهي مهن لها وجه طبقي بامتياز ولا يتخطى مدخولها الحد الأدنى للأجور. وهذا الأمر يفتح المجال أمام أصحاب العمل لاستغلال اللاجئين واللاجئات على الصعيد المالي والجنسي أيضاً.
لكن هذه الدائرة من العنف ليست حكراً على الحيّز الاجتماعي العام بل تنسحب على الحيّز الخاص أيضاً، إذ سجّل عدد من الجمعيات تزايداً في العنف في داخل المنزل، نتيجة مشاكل وصول الخدمات إلى داخل المخيمات. وبالرغم من محاولة العديد من الجمعيات تأمين أماكن آمنة للنساء ليتكلمن عن العنف، ويحصلن على المساعدة، إلّا أن ثمة تقارير لجمعيات نسائية محلية تشكو من طريقة عمل الجمعيات العالمية كما ورد على لسان بعض اللاجئات اللواتي اشتكين من أن بعض هذه الجمعيات تعقد الكثير من جلسات الحوار لتدرس حاجات اللاجئات وعندما يحين موعد تطبيق المشاريع وتوزيع الخدمات لا تكترث لمطالبهن وتكتفي بتطبيق أجندات وقوالب عمل مفروضة عليها.
من هنا نتساءل: كيف يمكن تأمين بيئات حاضنة أكثر أماناً للّاجئات؟ وماذا على الدولة والشعب المضيف والجمعيات أن تعمل لتخفيف الهشاشة التي أصابتهن؟
الأسئلة كثيرة والواقع واحد، فبعد كل هذه السنوات من اللجوء، ليس ثمة مكان آمن للاجئات السوريّات.