لبنان تحت وطأة ثلاث هجرات كبرى

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 تموز 15 5 دقائق للقراءة
لبنان تحت وطأة ثلاث هجرات كبرى
استقبل لبنان، خلال نحو عقد من الزمن، ثلاث هجرات كبيرة، يتجاوز عدد اللاجئين فيها عدد سكان لبنان (3 ملايين ونصف المليون)، هي: الهجرة الأرمنية هرباً من المجازر العثمانية في العام 1915، اللجوء الفلسطيني مع قيام دولة إسرائيل في العامين 1948 و1967، واللجوء السوري منذ 2011. هنا، محاولة مختصرة للنظر في الصورة اجتماعياً واقتصادياً، بعيداً من السياسة وخطاباتها وأهوائها.
يرى المؤرّخ والباحث الدكتور فواز طرابلسي أن الهجرات الثلاث تشترك في أمور عدة، تبدأ بالسؤال الذي يُطرح في الساعات الأولى للهجرة، عن المكان الذي سيُقيم فيه اللاجئون، ولا تنتهي بالبحث عن إمكانية الإفادة من اليد العاملة.
الهجرة الأرمنيّة
الأرمن، وفق طرابلسي، «عملوا أولاً كحرفيّين وعمال، ولا تأريخ دقيقاً متى وفدت الطبقة الوسطى الأرمنية أو تبلورت صورتها في لبنان. وقد استفاد الأرمن في لبنان من المساعدات التي قدمتها إليهم الجاليات الأرمنية في بلدان أخرى، ما سهّل اندماجهم، لاسيما في الحياة السياسيّة، وقد صار لهم بعد الاستقلال (1943) نوّاب ووزراء، ولم ينتسبوا إلى الأحزاب الأرمنية فحسب، إنما انخرطوا في أحزاب لبنانية يمينية ويسارية، وعاشوا بهدوء وتعاون اجتماعي واقتصادي مع النازحين اللبنانيين من الجنوب والبقاع».
وإذا نظرنا اليوم إلى تلك الهجرة، يقول طرابلسي، نجدها «إيجابيّة وناجحة». فالأرمن الذين وصلوا إلى المنطقة قبل إعلان لبنان الكبير (1920) لعبوا دوراً صناعيّاً في مرحلتين مهمّتين من تاريخ لبنان، الأولى حين احتاجت أوروبا وجيوشها إلى سلع ومنتجات مدنية إبّان الحرب العالمية الثانية، والمرحلة الثانية خلال الحرب الأهلية، إذ تحوّلت مناطق الأرمن، ولاسيما برج حمود، إلى بؤرة صناعية لم تقتصر أسواقها على لبنان إنما وُرّد إنتاجها إلى العديد من بلدان العالم.
النظرة الإيجابية نفسها تجدها عند الخبير الإقتصادي الدكتور إيلي يشوعي، حيث يقول: «عدم انفتاح المجتمع الأرمني لم يحل دون انطلاق المهاجرين إلى لبنان، إقتصادياً، من الصفر. فقلّة منهم أتت وبحوزتها مال. وقد استطاع عدد منهم تحصيل ثروات من خلال العمل في الصناعة والتجارة والمصارف. فلم يكن الأرمن، باستثناء مرحلة اللجوء الأولى، عبئاً على لبنان ودولته ومجتمعه. وقد ساهموا في ازدهاره بعد الحرب العالمية الثانية، لكن الحرب قست على كثيرين منهم، فأجبرتهم على الهجرة، وتراجع عددهم من نحو خمسمئة ألف إلى نحو مئتين وخمسين ألفاً».
يكتمل تظهير «الصورة الإيجابية» للهجرة الأرمنية، مع ما يلفت إليه نقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي: «تختلف الهجرة الأرمنية عن الهجرتين الأخريين من الناحية القانونيّة. فالقسم الأكبر من الأرمن وصل إلى لبنان في سنوات الحرب العالمية الأولى، أي قبل نشوء الهوية/ الجنسية اللبنانية التي اعتبرت، في 30 آب 1924، أن كلَّ عثماني يقيم في لبنان هو لبناني، إلاّ إذا اختار جنسيّة أخرى. ما يعني أن الأرمن الذين كانوا من رعايا الدولة العثمانية، قد اكتسبوا الجنسية اللبنانية قانوناً عندما ولد لبنان الكبير».
الهجرة الفلسطينيّة
يجزم طرابلسي بأن اللاجئين الفلسطينيين لم يشكّلوا عبئاً اقتصادياً واجتماعياً على لبنان حتى أواسط الستينات وأوائل السبعينات، «ولم يشاركوا في التحركات والنضالات المطلبية الإقتصادية والاجتماعية». فقبل ذلك، أي قبل بدء العمل الفدائي انطلاقاً من الأراضي اللبنانية وتوقيع اتفاق القاهرة (1969) واندلاع الحرب الأهلية، «اشتغلت غالبية الفلسطينيين في الزراعة وأعمال البناء ومهن صغيرة، وقلّة منهم في التعليم والصناعة والتجارة والمصارف. وكانت وكالة «الأونروا» هي المسؤولة داخل المخيمات عن أمورهم التعليميّة والإغاثية».
وإذ يؤكد قرطباوي أن «الفلسطينيين لم يأتوا ليكتسبوا الجنسية اللبنانية»، يعتقد طرابلسي أن الوجود الفلسطيني في لبنان لم يكن اجتماعياً واقتصاديّاً مشكلة وخطراً على لبنان. ويقول: «كان يمكن ألا يساهم الوجود الفلسطيني في انفجار الحرب (1975) فيما لو اتفق فريقا النزاع اللبنانيين في السياسة. فكمال جنبلاط نفسه، حليف الفلسطينيين، كان مع مقايضة الوجود الفلسطيني المسلّح خارج المخيمات بإصلاحات سياسية تمنح المسلمين مشاركة سياسية أوسع في النظام والدولة. فهو لم يكن مع توطين الفلسطينيين وغالبيتهم من المسلمين، علماً أن الجميع يعرف أن تجنيس الأرمن وغالبيتهم من المسيحيين ساهم في توازن طائفي لمصلحة المسيحيين».
ويعتبر يشوعي أنه بالرغم من إقامة غالبية الفلسطينيين داخل المخيمات (12)، إلاّ أن «تدنّي المستوى التعليمي لمعظمهم، وافتقادهم إلى المهارات التي تسمح لهم بالعمل في مهن متوسطة، أمران يتسبّبان بمشكلة اقتصادية واجتماعية فلسطينية - لبنانية، خصوصاً أن غالبية المتعلّمين منهم، وأصحاب الثروات، قد هاجروا من لبنان».
الهجرة السورية
يركّز يشوعي على أثرين مباشرين للهجرة السورية على لبنان هما: «استهلاك اللاجئين البنية التحتية، ومنافستهم اليد العاملة اللبنانيّة وارتفاع البطالة بين اللبنانيين».
ويقول: «هناك 7 إلى 8 % منهم ميسورون مادّياً وينفقون في لبنان (معيشة وتعليم)، لكن هناك أكثر من 90 % فقراء. ولا أعتقد أن المساعدات العينيّة والمادية التي تصل إليهم من المنظمات الدولية كافية».
ولا ينفي طرابلسي «استهلاك البنية التحتية، بالرغم من المبالغة في ذلك». ويرى مبالغة أخرى تتمثل في القول أن «خسائر لبنان من النزوح السوري تبلغ نحو 7 مليارات دولار». ويسأل: «كيف يقدّر البنك الدولي ذلك وتتبناه الدولة اللبنانية، من دون أن يقدّر المكاسب؟». فلبنان، يضيف طرابلسي، «ارتاح إلى حد ما من منافسة المنتجات الزراعية السورية، وبات يستورد سلعاً ويصدّرها إلى السوق السورية». أما في شأن منافسة اليد العاملة السورية الطارئة فيعتقد أنها «تؤذي أولاً اليد العاملة السورية الموجودة سابقاً في لبنان».
وبالرغم من ذلك، يتفق يشوعي وطرابلسي على أن الهجرة السورية الطارئة والمستمرة، غير واضحة وتلوّن صورتها السياسة والمصالح.
ثلاث هجرات تسامح اللبنانيّون مع واحدة منها، هي الأولى الأرمنيّة، وباتوا بعد مئة عام على حصولها ينظرون إليها بإيجابيّة، وقد قبلوا بأن يغدو اللاجئون من أبناء وطنهم وجنسيّتهم، فيما يتناسون الهجرة الثانية، الفلسطينيّة، ويتناسون محاصرة اللاجئين في المخيّمات وفرص العمل المحدودة والمُقيَّدة. والأسباب وراء ذلك كثيرة، تبدأ بالخوف من توطين الفلسطينيين، ولا تنتهي بتذكر الدور الفلسطيني في إشعال الحرب (1975)، من دون أن ننسى أن الصراع العربي - الإسرائيلي لم ينتهِ بعد، ما يعني أن الفلسطينيّين ما زالوا لاجئين، ومصيرهم معلّق بنتائج ذاك الصراع. أما الهجرة الثالثة فهي، بالنسبة إلى اللبنانيين، ذروة دراما الهجرات إلى هذا البلد الصغير ذي التركيبة الاجتماعيّة المعقّدة. وهم كالعادة، ينقسمون في مواقفهم تجاهها، فيما يجدون أن دولتهم غير قادرة على تنظيم اللجوء المفتوح أصلاً على استمرار المأساة السورية التي لا يعرف أحد متى ستنتهي، ومتى يعود السوريّون إلى وطنهم.
 


الهجرة الأرمنية إيجابية، والفلسطينية لم تكن عبئاً إقتصادياً اجتماعياً خطيراً... والسورية ما زالت غير واضحة
A+
A-
share
تموز 2015
أنظر أيضا
07 أيار 2020 بقلم بلال ملاعب، إقتصادي التنمية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية
07 أيار 2020
بقلم بلال ملاعب، إقتصادي التنمية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية
01 كانون الأول 2015
01 كانون الأول 2015
01 كانون الأول 2015
01 كانون الأول 2015
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد