خلال فترة إقامتي في لبنان، تمكّنت، أنا المعروف عني النشاط وحب الحياة، من بناء صداقات مع لبنانيين من كل الأطياف السياسية، الطائفية والإجتماعية. وأقدّر حسن الضيافة والتعامل اللذين ألقاهما من معظمهم، لكنّني انزعج من الصورة النمطيّة التي يرسمها بعضهم عن السوريين باعتبارهم متخلّفين لا لشيء سوى لضعف حالتهم المادية وطريقة لباسهم، أو نوع العمل الذي يمارسون.
في يوم شتاء قاس، نزلت من المنزل الى فرن المناقيش كالعادة، شربت القهوة كالعادة، وكنت متأنّقاً على غير العادة. بعد تأمل طويل، قالت لي صاحبة الفرن: «منيح تعلّمتو كيف تلبسو من ورا اللبنانيّي». وقد أحسست بالقهر لأني مُجبَر على تحمّل هذه المواقف.
تجربتي المتواضعة في العمل الإجتماعي لم تحل دون انضمامي الى اللجنة اللبنانية - السورية التي تعمل في منطقتي مرجعيون وحاصبيا، وتهدف الى مساعدة اللاجئين السوريين.
لقد جذبت هذه اللجنة العديد من المنظمات الإغاثية اللبنانية والدولية التي ساعدناها في الإحصاءات وتوزيع المساعدات على السوريين، لكني لاحظت وزملائي تعاطياً سلبياً مع النازحين، وانتهاكاً لكرامتهم وإنسانيتهم، الى أن بدأ التعاون بين اللجنة و«شبكة مجموعات شبابية»، الجمعية المحلية التي تعمل في الجنوب والتي ساعدت اللجنة اللجنة اللبنانية - السورية على تحسين هيكليتها الإدارية، والتي درّبتني وزملائي على أساليب التواصل والإتصال، ورسّخت قناعتي، بالممارسة لا بالقول، بأن إغاثة اللاجئين هي حق وليست حسنة. ومع هذه الشبكة بنيت المزيد من العلاقات الإجتماعية والصداقات مع أقراني من اللبنانيين في أكثر من بلدة ومدينة، وشاركت في عدد من المؤتمرات والأعمال الإغاثية والمسرحية الهادفة، والأنشطة المتنوّعة داخل تجمعات اللاجئين السوريين، زرعنا عبرها البسمة على وجوه المعوزين والأطفال والشيوخ والمقهورين، وساهمنا في بناء علاقات صحيحة بينهم وبين المجتمعات المضيفة بعيداً من الأحكام المسبقة والتعصّب المتبادل.
إن هذه التجربة أعادتني إلى ذاتي الحقيقيّة، وأرجعت لي ثقتي بنفسي، وعلّمتي أن خياري الوحيد في الحياة هو أن أكون إيجابياً، أنشر الفرح، وأدعو إلى السلام أينما حللت.