ثلاثة أيام مرّت لم أخرج خلالها من المنزل، فأنا اليوم في عالم جديد بين أشخاص جدد لا أعرفهم، وأنا المعيل الوحيد لأسرتي المكوّنة من والدتي وأخواتي الثلاث ومعهن أطفالهن إحداهن فقدت زوجها، والثانية زوجها معتقل في سوريا ولا نعرف عنه شيئاً منذ سنتين ونصف السنة، ووالدي متوفّى. منزلي الجديد الصغير المتواضع في الطبقة السفلى من المبنى، والشخص المضيف يعيش في الطبقة العليا، وهو قدّم لي ولأسرتي كل المساعدات وشاركنا حتى بأدق التفاصيل (من توصيل مياه الشرب والكهرباء وغيرها) من دون مقابل، والابتسامة كانت ولا تزال لا تفارق وجهه، وأسرتي تستفيد من البطاقات الغذائية لكن هذا لا يكفي ولا يتيح لي أن أجلس في منزلي من دون أن أفعل شيئاً، لا بد من أن أفعل أي شيء لأخرج من هذا الواقع المؤلم فأرضي ذاتي أولاً، وأؤمّن لأسرتي قوت يومها.
هنا كانت انطلاقتي إلى الحياة في عالمي الجديد، علماً أنني وصلت بالدراسة في سوريا إلى السنة الأولى في كلية الحقوق، ولم يتسنّ لي متابعة تعليمي بسبب ظروف الأزمة، وكنت مواظباً على حضور دورات ثقافية ومهنية منها دورة للحلاقة الرجالية، ودورة في التثقيف الصحي بالمركز الثقافي وكنت من المتفوّقين. وقد استفدت من هذه الخبرات لأبني بها قصراً جميلاً يسوده التواضع والرضا بقدر الله عزّ وجلّ، والكفاح من أجل حياة أفضل رغم ضعف الامكانات المادية.
بحثت عن عمل فعملت، واستطعت أن أملك صالونات عدة للحلاقة والتزيين الرجالي، واستأجرت محلاً أمارس فيه مهنتي وأحقق ذاتي. وأنا اليوم أهدي هذا النجاح إلى كل شاب سوري أو لبناني، وأدعوه إلى أن لا ييأس ولا يستسلم مهما كانت ظروفه، ويكون إيجابياً قدر الإمكان، فالانسان الأنيق في تعامله وحديثه يقتحم أعماق كل من يقابله، ويحظى باحترام الجميع.
إن تجربتي في وادي خالد تجربة مفيدة وعصرية زوّدتني بمعرفة واسعة، وبتقنية حديثة في مجال إدارة الحوار وتطوير الذات، فشاركت مع «جمعية التفوق والسعادة» في مشروع (الشباب ينشرون رسالة السلام في أوقات الأزمات). أصبحت بعد هذه التدريبات مولعاً بالحياة أكثر، وشاركت في نشاطات عدة كدورات في اللغة الانكليزية وتنشيط الأطفال وغيرها. وأخيراً أقول إن في داخل كلٍ منا نفقاً مظلماً ولكننا لسنا جميعنا قادرين على أن نزيح الحجر عن فوهته ليظهر الضوء جلياً.
هذه حكايتي، حكاية نزوح تعددت فصولها بانتظار فصلها الأخير الذي قد يحمل خواتيمها المشرقة.