عوزٌ على عوز

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 تموز 15 0 دقائق للقراءة
عوزٌ على عوز
يأتي صوتها الحبيب عبر الهاتف بعيداً وعميقاً. اتصالات متباعدة بحكم الإحساس بالذنب. ذنبي لأنني للمرة الأولى أغيب مدّة طالت أكثر مما يجب عن الوادي الذي كان أخضر. صوتها الحبيب يعيدني إلى أفياء القرية، إلى وجه الجدّين اللذين غابا وما زالا يسكنان الروح والخافق التعب وما بينهما من عقل وضمير. متخبّطاً يأتي صوت عمّتي، وكلامها.
«الحمد لله»، تكرر، «لا ماء، لا كهرباء، غلاء، رولا تتأخّر في «الهيئّة الصحيّة» لساعات طوال، باتت تتعب كثيرًا، نازحون كثيرون، بسطاء، بأولادهم الكثر، نساؤهم يحملن طوال الوقت، أولادهم يمرضون كثيرا، تنتقل العدوى في ما بينهم بسرعة البرق.»
تصمت. وأصمت اعتراضاً. تعود للكلام كمن يحدّث نفسه: «بس ما كمان هم الله يساعدهم. جهل على فقر على عوز على غربة. الله لا يذيقنا. ولكن، نحن أيضا نعيش الفقر والضيق والعوز، والغربة على أرضنا تلازمنا منذ أن كنّا».
في بيتها المؤلّف من غرف ثلاث، تعيش هي وزوجها، والإثنان يشكوان من أمراض مزمنة ومؤلمة، ومعهما ابنتهما المطلّقة وابنتها المراهقة. في نهاية الأسبوع، يأتي الأبناء من أطراف المدينة، فتصبح الغرف الثلاث مأوى لأكثر من سبعة أشخاص إضافيين.
عمّتي لا تشبه أحداً. الحبيبة الحنون التي لا تلقي في القمامة ولا حتى كسرة خبز. ترميها لدجاجات الجيران. تعيد تدوير كل ما لديها بالفطرة والحكمة التي لا يملكها إلّا القرويون الذين هم مثلها، «قرويون من غير سوء».
عمّتي الحبيبة، التي تشعر بالفقير بالفطرة. هي التي خبرت العوز، وعرفت الغربة والترحال، والنضوج المبكّر. هي التي ساهمت في تربية أشقائها الكثر. هي التي اختفت إلى حدّ التلاشي كي تضمن أنهم سيكونون ويبرزون، ثم عادت الى تربية أربعة أولاد، مات من بينهم واحد فغيّر بموته حياتها إلى الأبد.
عمّتي الحنون، التي تخرج اللقمة من أفواه أولادها إن لاقت محتاجاً، تضيق اليوم بنازحين لا تملك أن تساعدهم. لا تضيق بهم تماماً. فهي لا تدري كيف تكوّن موقفاً من وجودهم.
عمّتي تحدّثني عبر الهاتف كمن يهذي «ألا يعرفون أنه يجب ألّا يحملوا؟ لكن هناك من يسعى على الأقلّ كي يؤمّن سقفاً يؤويهم، وطعاماً يكفيهم، وأدوية تقيهم... ونحن هنا، ما من أحد يتطّلع إلينا. لكنهم يا ابنة أخي مساكين. ضيم في غربة. وجع على وجع. فقراء بين فقراء. عوز على عوز. ما يخبرونه يذيب الصخر. فلْيقِنا الرب من الآتي. هم لم يقصّروا بحقنا... لكننا لا نملك ما يقينا عوزنا، فكيف نردّ لهم الجميل؟»
A+
A-
share
تموز 2015
أنظر أيضا
16 أيلول 2020
16 أيلول 2020
16 أيلول 2020
16 أيلول 2020
أحدث فيديو
فرن السيد: عاد وأعاد الحياة إلى قلب النبطية - تقرير جاد فقيه
SalamWaKalam
فرن السيد: عاد وأعاد الحياة إلى قلب النبطية - تقرير جاد فقيه
SalamWaKalam

فرن السيد: عاد وأعاد الحياة إلى قلب النبطية - تقرير جاد فقيه

كانون الثاني 09, 2025 بقلم جاد فقيه، صحافي
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
09 كانون الثاني 2025 بقلم جاد فقيه، صحافي
09 كانون الثاني 2025
بقلم جاد فقيه، صحافي
23 كانون الأول 2024 بقلم علي زلزلة وربيع يونس، صحافي
23 كانون الأول 2024
بقلم علي زلزلة وربيع يونس، صحافي
23 كانون الأول 2024 بقلم روان مهنا، صحافية
23 كانون الأول 2024
بقلم روان مهنا، صحافية
تحميل المزيد