«الحمد لله»، تكرر، «لا ماء، لا كهرباء، غلاء، رولا تتأخّر في «الهيئّة الصحيّة» لساعات طوال، باتت تتعب كثيرًا، نازحون كثيرون، بسطاء، بأولادهم الكثر، نساؤهم يحملن طوال الوقت، أولادهم يمرضون كثيرا، تنتقل العدوى في ما بينهم بسرعة البرق.»
تصمت. وأصمت اعتراضاً. تعود للكلام كمن يحدّث نفسه: «بس ما كمان هم الله يساعدهم. جهل على فقر على عوز على غربة. الله لا يذيقنا. ولكن، نحن أيضا نعيش الفقر والضيق والعوز، والغربة على أرضنا تلازمنا منذ أن كنّا».
في بيتها المؤلّف من غرف ثلاث، تعيش هي وزوجها، والإثنان يشكوان من أمراض مزمنة ومؤلمة، ومعهما ابنتهما المطلّقة وابنتها المراهقة. في نهاية الأسبوع، يأتي الأبناء من أطراف المدينة، فتصبح الغرف الثلاث مأوى لأكثر من سبعة أشخاص إضافيين.
عمّتي لا تشبه أحداً. الحبيبة الحنون التي لا تلقي في القمامة ولا حتى كسرة خبز. ترميها لدجاجات الجيران. تعيد تدوير كل ما لديها بالفطرة والحكمة التي لا يملكها إلّا القرويون الذين هم مثلها، «قرويون من غير سوء».
عمّتي الحبيبة، التي تشعر بالفقير بالفطرة. هي التي خبرت العوز، وعرفت الغربة والترحال، والنضوج المبكّر. هي التي ساهمت في تربية أشقائها الكثر. هي التي اختفت إلى حدّ التلاشي كي تضمن أنهم سيكونون ويبرزون، ثم عادت الى تربية أربعة أولاد، مات من بينهم واحد فغيّر بموته حياتها إلى الأبد.
عمّتي الحنون، التي تخرج اللقمة من أفواه أولادها إن لاقت محتاجاً، تضيق اليوم بنازحين لا تملك أن تساعدهم. لا تضيق بهم تماماً. فهي لا تدري كيف تكوّن موقفاً من وجودهم.
عمّتي تحدّثني عبر الهاتف كمن يهذي «ألا يعرفون أنه يجب ألّا يحملوا؟ لكن هناك من يسعى على الأقلّ كي يؤمّن سقفاً يؤويهم، وطعاماً يكفيهم، وأدوية تقيهم... ونحن هنا، ما من أحد يتطّلع إلينا. لكنهم يا ابنة أخي مساكين. ضيم في غربة. وجع على وجع. فقراء بين فقراء. عوز على عوز. ما يخبرونه يذيب الصخر. فلْيقِنا الرب من الآتي. هم لم يقصّروا بحقنا... لكننا لا نملك ما يقينا عوزنا، فكيف نردّ لهم الجميل؟»