أثرياء سوريا يعانون أيضاً جرّاء الحرب

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 كانون الأول 15 7 دقائق للقراءة
أثرياء سوريا يعانون أيضاً جرّاء الحرب
ليس الفقراء وحدهم من يعانون جرّاء الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات في سوريا. الأثرياء أيضاً يعانون وإن بدرجة أقل. صحيح أن معظمهم لم يذق طعم التشرد أو اللجوء إلى خيمة في العراء، والعيش بانتظار المساعدات من هنا وهناك، وتمكنوا بفضل أموالهم من شراء منزل في لبنان، أو استئجاره، أو حتى حجز أجنحة في الفنادق، لكنهم، كما جميع السوريين، خسروا الاستقرار وراحة البال، وتحطمت الآمال والاحلام.
يجلس أبو خالد (اسم مستعار) على كرسي بلاستيكي بلباس رياضي، في باحة مقهى في شارع عين المريسة في العاصمة بيروت، معظم رواده من كبار السن. يقول إنه يحب مشاهدة البحر لأنه يشعره بالراحة، ويأخذه في جولة من الاسترخاء والطمأنينة. قليلون هم الذين يعرفون أن صلة قرابة تجمعه بعائلة السيدة السورية الأولى أسماء الأسد. يأخذ حذره وينتقي كلماته بشكل دقيق عند سؤاله عن الوضع في سوريا وعن موقفه ممّا يحدث من «خبيط ولبيط» بين أبناء بلده، على حد تعبيره.
يروي أبو خالد أنه جمع ثروة ضخمة من التجارة في قطاع الأدوية في سوريا. فقد اشتهر بحنكته في البيع، ما مكّنه من السيطرة على سوق الأدوية بشكل لافت. يصفه البعض بالمهيمن والمحتكر، ويرجعون سبب نفوذه مهنياً إلى قربه من «نظام الأسد». لكنه يرد على ذلك، ويضحك معاتباً باللهجة السورية: «طار الشغل وراح التعب ضيعان، شو نفعني النظام؟».
عام 2013 اندلعت الحرب وهدمت مصانع أبي خالد في مدينة حمص بالكامل، وتعرض كل ما سلم من القصف داخل هذه المصانع للسرقة والنهب. بعدها، ضاقت به سبل الحياة، ووجد أن العيش بلا عمل والبدء من جديد في ظل ظروف قاهرة صعب جداً، وخصوصاً أن الميليشيات والمسلحين- على حد قوله - يريدون الإنتقام من كل من لا ينتمي إليهم، ويشاركهم أفكارهم وميولهم السياسية.
منزل فخم... وقلق
اتخذ أبو خالد قراره بالرحيل من سوريا. جاء إلى لبنان بسبب خوفه على حياة أبنائه وإصراره على ترحيلهم إلى أوروبا. أراد أن يرسم مستقبلاً جديداً لعائلته بعيداً عن مشاكل الحرب وتجاربها الصعبة. دخل إلى بيروت بطريقة شرعية، واشترى منزلاً فخماً في منطقة عين المريسة المطلّة على البحر بمبلغ يفوق المليون دولار أميركي لم يحمل أياً من ممتلكاته أو أثاث منزله معه من سوريا، ولم يدخل البلاد بصفة لاجئ إنما بصفته رجل أعمال سورياً في رصيده ملايين الدولارات الأميركية التي تمنحه الإقامة بسهولة فهو قانوناً يُعتبر من الفئة الأولى. حتى أنه يسخر قائلاً «بإمكاني شراء الجنسية اللبنانية إذا أردت وبسهولة».
وعلى رغم ظروف انتقاله السهلة إلى لبنان، وتمكنه من توفير منزل فخم لأفراد عائلته، لكن ذلك لم يحل دون معاناته. وهنا يقول بحسرة: «المال ليس سوى وسيلة تؤمّن المسكن وتسدّ حاجات العائلة»، مؤكداً أنه يفتقد الأمان، ويرافقه القلق كظله خصوصاً عند سفر إبنه البكر إلى أوروبا.
عاش الإبن أيضاً تجربة الهجرة إلى أوروبا هرباً من الحرب الدامية. ويوضح الوالد أن أحد الأصدقاء نصحه بأن يرسل ابنه إلى السويد عن طريق مكتب سفر، أي على متن باخرة سياحية إلى اليونان مقابل مبلغ قدره 5500 دولار أميركي، باعتبار أن السفر على متن قارب تجذيف أو مطاطي سيكون خطراً على حياة فلذة كبده، وهو لم يعد يهتم بجمع المال، بل يتركز اهتمامه على حماية أولاده من الضياع والخراب. وعن ذلك يقول: «عشت ساعات وأياماً من الخوف، ولم أنم حتى وصل إبني إلى اليونان، ومن هناك تسلمه أحد الأصدقاء وهرّبه إلى السويد».
مساواة أمام الحرب
يرى أبو خالد أن الحرب لا تميز بين فقير أو غني، بل إنها تساوي بين الطرفين لناحية المشاعر والقلق والخوف من المجهول، والشعور بالقلق الدائم. ويؤكد أن الثروة لا نفع لها إذا فقد الإنسان عزيزاً على القلب. ويكرّر جملته الشهيرة: «المال بيجي وبروح بس الموت غدّار».
تعيش عائلة أبي خالد بترف. طلبات «ست البيت» تلبّى دائماً، وتجهّز مائدة الطعام بأطيب المأكولات. تقصد بناته مراكز التسوق ويشترين أجمل الألبسة والعلامات التجارية المعروفة تتباهين بها أمام صديقاتهن الوافدات من حلب عند خروجهن لاحتساء القهوة أو الشاي.
إبنته شام لا تأبه للحرب، وتقول إنها سئمت من «الكذب والنفاق» الذي بات يسيطر على حياة السوريين في بلادها. كما أنها لا تأبه للسياسة، وتريد العيش بسلام في بلد أجنبي، وتنتظر قبول طلبها الجامعي لتغادر لبنان.
شام صبية في مطلع العشرينيات، تحتار كيف تمضي وقتها في لبنان. تخرج في الصباح برفقة شقيقتها ووالدتها لممارسة رياضة المشي على كورنيش المنارة، ومن ثم تتناول فطوراً صحياً للحفاظ على رشاقتها، وتمضي ما تبقى من وقت على الإنترنت وفي محادثة الأصدقاء.
تتجنب شام الحديث عن الوضع في بلادها، فوالدها حذّرها من التورط في مشاكل هو بغنى عنها، وخصوصاً أن «الكره تجاه السوري بشكل عام وتجاه اللاجئ بشكل خاص، تزايد كثيراً بسبب الحرب وما نجم عنها من ضغوط اجتماعية واقتصادية» في لبنان. وتبرّر موقفها هذا قائلة: «عند المصائب تجد نفسك وحيداً فالطبيعة البشرية تحب نفسها قبل أي أحد آخر. كل ما أتمناه هو بقاء عائلتي إلى جانبي، وعدم اختبار شعور الحاجة ومد اليد للغريب كما يفعل أبناء بلدي الذين ينتظرون الرأفة والشفقة من المجتمع والعالم الخارجي فتنتهك حقوقهم وتمسح كرامتهم بالأرض».
وهي تعترف بأن «المال، وللأسف، يجلب الإحترام، وإذا فُقد فقدت كرامتك معه».
لم تعاين شام بعينيها ما سمعته حول تناثر الجثث في الشوارع والقتل والإغتصاب، وترجع السبب إلى «مكان إقامتها في العاصمة دمشق حيث الحياة طبيعية، ويمارس السوري عمله ونشاطاته اليومية بشكل عادي، فعساكر النظام يسيطرون على الوضع ومتأهبون لأي اعتداء».
في المقابل، تنتقد حنين، شقيقة شام، حياة البذخ الشديدة التي تعيشها بعض صديقات شقيقتها السوريات في لبنان. وتقول إن «عدداً كبيراً لا يأبه للواقع الإجتماعي البائس، ولا يتأثر بالقضايا الإنسانية التي يعاني منها اللاجئ السوري، بل ينصب الإهتمام على الموضة وآخر صيحاتها، والتهافت على مراكز التسوق لشراء القطعة مهما وصل سعرها، وهو أحياناً يتخطى مئات الدولارات».
وبخلاف شام، تعمل حنين مع والدها الذي دخل مجال البناء والإعمار شريكاً مع أحد أصدقائه في لبنان. تفضل تمضية وقتها خلف مكتب لإدارة شؤون عمل والدها، بدل الجلوس في المقاهي والإستماع إلى ما وصفته بـ«تفاهات» النسوة وأخبارهن «السطحية».
تحاول حنين قدر المستطاع مساعدة السوريين الذين يعملون في ورش البناء لدى والدها. تقول: «أفرح من قلبي عندما أرى السوري يعمل ويجتهد لتأمين اللقمة لأولاده، ونساعده بدون كلل أو ملل. أتمنى أن يغيّر العالم نظرته تجاه السوري فهو ليس بسارق أو محتال أو مغتصب. نريد العيش بأمان فقط».
من تجارة الذهب إلى القطنيات
تختلف تجربة أبي قصي عن تجربة أبي خالد. فهو خسر كل ما يملكه من مال جمعه في تجارة الذهب بعدما وثق بأحد الأشخاص وأدخله شريكاً معه في المحل في مدينة حمص حيث يعمل. مضى شهران حتى اكتشف أن صديقه الذي وثق به خانه واتفق مع مجموعة من الأشخاص الذين ينتمون، على حد قوله، إلى إحدى الميليشيات في سوريا، على نصب كمين له، فسحبوه إلى مزرعة مهجورة، وألزموه التوقيع على أوراق تنازل، وهدّدوه بإنهاء حياة أولاده إذا لُمح وجهه في المنطقة من جديد.
لم يفكّر أبو قصي حينها بالمال. طلب من الله أن ينجيه من الموت ولتذهب الأموال بلا عودة. باع منزله الفخم الواقع في منطقة اللاذقية لأحد معارفه بسعر زهيد، وجاء إلى لبنان حيث استأجر شقة في منطقة الحمرا بمبلغ وصل إلى 1500 دولار أميركي في الشهر، ومكث فيها لمدة ستة أشهر قبل أن يغادر إلى تركيا، حيث اشترى منزلاً بقيمة 80 ألف دولار أميركي، وفتح محلاً مخصصاً لبيع الألبسة والقطنيات. يقول: «النظرة الدونية تطاول السوري الغني مثل الفقير، والجميع عانى من الحرب وقساوتها»، مضيفاً «على الصعيد الشخصي، لم أعد أثق بأحد، ولا أساعد إلا الأشخاص الذين أعرف أنهم بحاجة إلى المساعدة». وعن انعكاس المستوى الإقتصادي والفوارق الطبقية يقول: «عندما يصفوننا بـ«أنتم» أي الأغنياء، أضحك وأسأل: ما يميّزنا عنكم أننا نأكل من دون انتظار أن يطعمنا أحد، ولكن ما نفع لقمة تنزل كالسكين في قلوبنا بسبب ما نعانيه من أحداث وعدم استقرار».
ويضيف أبو قصيّ: «الحرب قضت على أحلام الجميع. البيوت تحولت إلى حطام، وشرّدنا من أرضنا تحت القصف من أجل إنقاذ أرواحنا. المال قد يؤمّن لنا قسماً من الأمان لكنه لن يمنحنا راحة البال».
«أثرياء الحرب»
في المقابل، يتحدث رائد (اسم مستعار) المقيم في لبنان وهو من الطبقة المتوسطة، عن طبقة جديدة باتت تعرف بـ«أثرياء الحرب» في سوريا، وهم الذين يعيشون على مصائب الآخرين «ولا ضمير لديهم» على حد تعبيره.
ويقول: «هذا المصطلح ينطبق على كل المستفيدين اقتصادياً من الحروب، والذين يستغلون حاجة الناس إلى سلع أساسية، فيبادرون الى احتكارها وبيعها بأغلى الأسعار»، لافتاً إلى استفادة كثيرين أيضاً من «انتعاش تجارة السوق السوداء المليئة بالمسروقات والأسلحة على اختلافها».
ويضيف: «أكثر ما يزعجني هو جاري الذي تحوّل بين ليلة وضحاها إلى صاحب أملاك وعقارات اشتراها بأسعار خيالية. يقول البعض إنه جنى أمواله ممّا يسمّى بسوق «التعفيش»، وهو سوق تباع فيه المفروشات المسروقة من بيوت الناس والمأخوذة بالقوة تحت التهديد بالقتل ممّا يعرف بالشبيحة». وينهي حديثه مستغرباً: «كيف بإمكان شخص أن يعيش على حساب الآخرين ويجرّدهم من كرامتهم، فليساعدهم على الأقل». يشعر رائد بالأسى على كل شخص يملك المال ليحتفظ به ويتفرج عليه من دون أن يهتم بمساعدة غيره من المحتاجين والذين يصرخون مطالبين برغيف خبز يسد جوع أطفالهم.

A+
A-
share
كانون الأول 2015
أنظر أيضا
16 أيلول 2020 بقلم فاطمة ضيا، صحافية
16 أيلول 2020
بقلم فاطمة ضيا، صحافية
16 أيلول 2020 بقلم إياد تيسير، صحافي فلسطيني
16 أيلول 2020
بقلم إياد تيسير، صحافي فلسطيني
16 أيلول 2020 بقلم زينب شمعون، صحافية و باحثة
16 أيلول 2020
بقلم زينب شمعون، صحافية و باحثة
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد