نذكر جيداً كيف أن بعض هذه البلدان وعدداً من المنظمات غير الحكومية، كانت قد استقبلت، بقليل من الحفاوة، قرار الحكومة اللبنانية تنظيم موجة الهجرة على الحدود بمزيد من الصرامة، في حين كان عدد المهاجرين قد تخطى المليون وعدد السكان اللبنانيين يقارب الأربعة ملايين.
ليست «الشنغن» اليوم سوى ذكرى، وتنوي بلدان هذه المساحة من التجول الحر للأشخاص والممتلكات، إجراء التعديلات الجدية على هذه المعاهدة، بسبب الثغرات التي سُجِّلَت على الحدود الخارجية لأوروبا في وجه التدفق غير المتوقع للاجئين.
وكما في كل المجتمعات الملغّمة بانعدام الأمن والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، يُرجّح إلى حد كبير بروز تطرّفَين متناقضين: الأول، هو اعتبار أن الإرهابيين قد تسربوا لا محالة بين المهاجرين، وبالتالي زيادة الإجراءات القسرية التي تناهز رهاب الأجانب ضد هذه الشعوب؛ والثاني على العكس من ذلك، هو الإفراط في الملائكية والتفكير بأن أوروبا تلقت دعوة إلهية لدمج كامل أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. وهما موقفان يتساويان في الخطورة لكنهما غاية في البساطة.
بادئ ذي بدء، وإن كان من المحتمل أن تكون موجة الهجرة قد سهّلت تنقل بعض المتطرفين، إلا أن تحقيقات الشرطة أظهرت أن معظم مرتكبي الأعمال الإرهابية وُلدوا في البلدان الأوروبية التي استقبلتهم، ويقطنون ويعملون فيها، لا سيما في فرنسا وبلجيكا.
لذلك، فمن الموهم الظن أن أوروبا قادرة على استضافة الشعوب من قارات ثلاث باسم التضامن والمشاركة وحسب. فلا يمكن للفرنسيين والألمان والبلجيكيين واليونانيين أن يقوموا في الوقت ذاته بدفع حكوماتهم إلى بذل المزيد من الجهود من أجل اللاجئين، وأن يتذمروا بعدها بسبب إجبارهم على المشاركة في التكاليف.
قلب كبير وإنسانية، إنما مع جرعة من الأمن: هذه هي شروط الإدارة المتوازنة لملف اللاجئين.