طرابلس: لا استهانة... ولا استكانة

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 آذار 15 0 دقائق للقراءة
استخدمت هذين التعبيرين (الاستهانة والاستكانة) لوصف وضع مدينة طرابلس، في كلمتي التي ألقيتها في حفل إطلاق تقرير دراسة الفقر الحضري، في غرفة التجارة الصناعة والزراعة يوم العاشر من كانون الثاني 2015.
لم يكن هذا الانطباع وليد اللحظة، ولا هو تعبير انفعالي، فقد عشت تفاصيل مشاكل المدينة على امتداد عقود، مواطناً وناشطاً في الشأن العام السياسي والاجتماعي والحقوقي – المهني، قبل أن اتحمّل مسؤوليتي الحكومية. وهذا الانتقال لم يغيّر من قناعاتي السابقة، لا بل أكد الصورة التي كوّنتها خلال العقود السابقة.
لقد عانت طرابلس المدينة، ومعها محافظة الشمال – عكار، من الحرمان والتهميش المزمنين، وهو ما أدى إلى تضاؤل وزنها في الحياة السياسية العامة، مقارنة بباقي المناطق اللبنانية. فالحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والثقافية في لبنان تتميّز بدرجة عالية من المركزية، منذ الاستقلال، وهذا هو السبب الأول للمشكلات المزمنة والمتفاقمة التي تعاني منها المدينة اليوم. أضف إلى ذلك، أنها تحولت منذ الثمانينيات من القرن الماضي، إلى ساحة لمواجهات مسلحة وتوترات أمنية، تعاقبت فيها المراحل، وتبدلت فيها الأطراف المشاركة، إلاّ أن ساحتها واحدة، كما وقودها وضحاياها.
هذا هو الوجه الأول للمشكلة المتمثّل في الاستهانة والاستباحة، إلاّ أن الصورة لا تكتمل ما لم نلحظ الوجه الثاني المكمّل، والمتمثّل في ظاهرة الاستكانة اللافتة لقوى المدينة الحيّة، وقياداتها، وفعالياتها، وحتى مواطنيها، إزاء هذا الوضع الشاذ.
لقد بدا أن طرابلس فقدت حيويتها الداخلية، وفقدت قدرتها على رفع الصوت والمطالبة القوية بالحقوق، وبدت غير قادرة على استعادة تجاربها المشرقة في حقبات سابقة، حين سدّت فراغ غياب الدولة ومؤسساتها في المراحل الأكثر صعوبة من الحرب الأهلية، من دون أن تجنح ولو لحظة واحدة نحو الخروج على الدولة ومؤسساتها. وهذه مفارقة تظهر التناقض الشديد بين واقعها ومزاج أهلها المتمسك بقوة بفكرة الدولة، وبين تلك الصورة التي صوّرتها مدينة خارجة على الدولة وعلى القانون.
إن عدم قدرة أهل طرابلس على الانتظام الفعّال للتعبير عن أنفسهم، والدفاع عن مصالح مدينتهم، من أجل القضية الصحيحة وبالوسائل الصحيحة، قد ولّد فراغاً استغلته جماعات أسقطت على المدينة أنماط تفكيرها وسلوكها ومشاريعها التي لا تشبه جوهرها.
إن وجودي في موقع المسؤولية الرسمية اليوم جعلني أتيقن من هذه الحقائق، وكشف لي عن تفاصيل أخرى ما كان لي أن أراها بهذا الوضوح لو لم أكن في هذا الموقع. وموقعي الحالي يرتب عليّ مسؤولية السعي لإزالة هذا الحرمان أو التهميش، أو الحد منه على الأقل... وفي هذا السياق، بذلنا – زملائي في الحكومة وأنا – جهداً كبيراً من أجل انتزاع بعض من حقوق المدينة الموعودة منذ سنوات، لكن ذلك لا يكفي ما لم ننجح معاً من أجل إعادة إطلاق ديناميّات التنمية الشاملة فيها.
نقول ذلك، فيما نعمل كوزارة، مع شركاء آخرين، على بلوة تصوّر لخطة تنمية متكاملة لمدينة طرابلس، وتوفير كل الشروط لحمايتها ونجاحها، وهو ما يشكّل فرصةً للنهوض باقتصاد لبنان كله، واستعادة النمو ومسار التنمية الشاملة فيه.
 

غرافيتي: علي رافعي - جدارية «المتسول» - الميناء - طرابلس - 2012

A+
A-
share
آذار 2015
أنظر أيضا
09 كانون الأول 2020
09 كانون الأول 2020
17 أيلول 2020
17 أيلول 2020
07 أيار 2020
07 أيار 2020
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد