إنها طرابلس العاصمة الثانية للبنان. هكذا عرفناها، وهي كذلك لأهميتها التاريخيّة، ولمساحتها، وعدد سكانها، وناسها، وصناعاتها، وتنوّعها.
طرابلس هي في حقيقة ناسها الذين لا يشكّلون بيئة حاضنة للارهاب أبداً، بل إن تلك البيئة على ضحالتها، هي حاضنة مستوردة من مناطق أخرى تعاني الفقر المزمن، وقد أتى أهلها إلى طرابلس فاستوطنوا أحياءها الفقيرة وضواحيها، ليشكّلوا، كما محيط بيروت قبل الحرب، زناراً مستقلاً قابلاً للتفجير.
وقد يكون الاهتمام بهؤلاء ضعيفاً بل معدوماً، لأنهم لا يقترعون في المدينة، حالهم كحال معظم السكان الوافدين إلى المدن. فالرعاية لا تشملهم إلّا في حدها الأدنى ما داموا ليسوا أصواتاً تفيد في الصناديق الانتخابية.
لكنّ القادرين والفاعلين والمتموّلين من أبناء عاصمة الشمال أخطأوا كثيراً بإهمالهم ضواحي الفقر، لأنها تحوّلت بؤراً أمنية، وصار أهلها قادة محاور، يتقاتلون في ما بينهم ويقتلون، لكنهم أيضاً يدمّرون المدينة بشراً وحجراً، ويجعلون من القادرين والفاعلين رهينة لديهم، كما يحصل عندما يجتمع وزراء ونواب إلى عدد من «قادة المحاور»، ويتمنون عليهم وقف القتال مقابل بدل.
طرابلس، كما بيروت، وزحلة، وصيدا، هي مدينتنا، مدينة لبنانية، وإن قصّرت الدولة فيها، كما في كل مكان، فإن أهلها قصّروا كثيراً، وتراجعت فاعليتهم، بل إنهم انكفأوا فساهموا في رسم صورة مغايرة لمدينتهم، مدينتنا.