ثمة رحلة ممتعة في مدينة «أم الفقير»

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 آذار 15 3 دقائق للقراءة
ثمة رحلة ممتعة في مدينة «أم الفقير»
© نذير حلواني
يشتري السائق فنجان قهوة، ثم يسأل بصوت أجوف الصبي البائع أن يوزع فناجين أخرى علينا. «رش قهوة للشباب»، يقولها وهو يلتفت ليطمئن إلى أن الجميع حصل على فنجانه، وهي عادة لطيفة من السائقين حين يجدون زواراً «غرباء» في فاناتهم.
تطلب سيدة أربعينيّة من السائق إنزالها في «ساحة الله». تقولها وهي تمطّ صوتها فيعرف الجالسون أنها ربما من بشري أو زغرتا، لأنهم يسمّون ساحة عبد الحميد كرامي بـ«ساحة النور». يترجل صديقي وهو يحاول أن يلتقط بعينيه مشاهد كثيفة لمدينة يعيش أهلها على الهامش، وينساها الإعلام ويربطها بالتطرّف. يسحره مشهد بائع السوس والخرنوب وهو يمر خفيفاً مع «طرطقته» بين جمع المارة. يوقفه ليلتقط له صورة «ع الماشي»، فيما الرجل يهمّ بإعطائه كوباً وهو يقول له بلهجة طرابلسية «بتنوّر مدينتك».
يشتري مرافقي كعكة بالجبنة من أبو محمد، وهو بائع عجوز يضع عربته على مدخل الساحة. يطلب البائع ألف ليرة فيدفع له متعجباً، وهو يؤكد لي أن الكعكة في بيروت يصل سعرها إلى 3 آلاف ليرة. وهنا أخبره أن تسمية «أم الفقير» لم تأتِ عبثاً.
نكمل سيرنا إلى ساحة التل حيث يصدح صوت صباح من أمام سينما «ريفولي». ندلف بهدوء بين المحال وضجيج باعتها، إلى مقهى التل العليا. نجلس تحت فيء شجرات معمَّرة. نطلب كوبين من الزهورات ونرجيلة «عجمي»، ثم أُخرج كتابي وأقرأ، فيما يتلهّى مرافقي بالاستمتاع بفيء الشجر والنظر إلى الجالسين حولنا، حيث أساتذة الجامعات وبعض الصحافيين وروّاد من مناطق شمالية مجاورة يجلسون إلى طاولات الزهر، ويلعبون بورق الشدّة.
نتعرّف إلى بلال، وهو شاب آتٍ من جبل محسن، فيخبرنا أن هذا المقهى هو المفضل لديه، فقد صار يخاف الجلوس في مقاهي الجبل بسبب التفجيرين الانتحاريين. ويقول إن «طرابلس مدينة للجميع»، ولا يشعر بأنه «غريب»، ثم يدعونا إلى زيارة منطقته، مؤكداً أنها «مفتوحة لكم ولأهل مدينتنا».
نترك المقهى لنسير ثلاثتنا نحو الأسواق. نمر باتجاه السوق العريض، ونعبر سوق الذهب. ومن هناك نصل إلى خان الخياطين. تجذب مرافقي رائحة الصابون من خان «شركس»، فيشتري منه. نمشي قرب نهر أبو علي. يقف مذهولاً أمام منازل وأحياء حارة «البحصة» المطلة على النهر، والتي كانت تشكل «مشتى» لأهالي زغرتا وإهدن.
«كانت المدينة مختلفة»، يعلّق بائع ثياب في سوق «البالات». يروي لنا عن حياة هذا الحي الذي كان مقصد الزغرتاوية، ويعنّ في رأسه أن يستذكر لنا زمن «الطوفة»، وهو إشارة إلى تاريخ طوفان النهر في عام 1955. نمشي معه، نتوقف قليلاً أمام بسطة «أبو الفقراء». نشتري بعض الأحذية الشتوية، ثم نقرر العودة على أقدامنا لتناول الغداء وهو يودعنا بابتسامة خجولة.
نصل إلى ساحة الكورة، وندخل مطعم «جمول»، الذي يعود بناؤه إلى عام 1936. نأكل ورق العنب والكبّة المشوية وبعضاً من الكفتة مع صحن «بابا غنوج». يفرح صاحبنا بالطعام الذي لم يكلفنا أكثر من 20 ألف ليرة.
ننطلق من بعدها إلى المدينة الحديثة. نخرج من وسطها العارم بضجيج الحياة والمارة، وسائقي التاكسي، ورائحة العطورات والأطعمة والبهارات، وعرق الماشين نحو أشغالهم أو تبطّلهم في حديقة «المنشية»، وتمريرهم الوقت حول بسطات القهوة ومحال بيع الألبسة والهواتف النقّالة. نخرج إلى مدينة ثانية، يفصلها عن الأولى شارع واحد يسمّى بـ«البولفار»، وهو امتداد للمدينة ونسيجها المجتمعي بين الزاهرية وشارع عزمي والضم والفرز، وصولاً إلى الميناء البحرية. نأكل حلوى الشميسة من محل «علماوية»، ثم ننتقل إلى المينا. وعلى الكورنيش الهادىء نخرج برحلة بحرية عبر مركب صغير. يسقط الليل بضوء خافت على الناس وبيوتهم المتراكمة فوق بعضها البعض. يأخذنا السير إلى شارع يعقوب اللبّان، الشهير بـ«مينو». نقرر السهر في حانة «تيميز»، حيث ضجيج الموسيقى والرقص واحتساء الكحول. يتفاجأ صديقي على غفلة وهو يسأل: «في سهر بطرابلس؟»، أجيبه: «أطلب قنينة بيرة، وتسلّ بنهاية يومك الطرابلسي».
A+
A-
share
آذار 2015
أنظر أيضا
01 آذار 2015
01 آذار 2015
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد