المدينة واجهة الثقافة لا... وجاهتها!

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 آذار 15 5 دقائق للقراءة
المدينة واجهة الثقافة لا... وجاهتها!
© معرض رشيد كرامي الدولي – مسرح «الدوم»، الصورة من الكتاب الذي أصدرته جامعة البلمند في العام 2011 بعنوان «طرابلس، مدينة كل العصور»
خطر ببالي، رداً على دعوتي إلى الكتابة في ملحق مشروع «بناء السلام» المخصّص لمدينتي، أن أحكي عن نفسي! فأنا من الذين، حين يُدعَون إلى منبر، يُفرغون كل ما في جعبتهم من كلام عن علاقة خيالية، لكنها أكيدة، لهم ولمقامهم الرفيع، وكأن الأمر معدٌّ خصيصاً لشخصهم الكريم باعتباره من الأساسات الثابتة للكون واقعياً وافتراضياً، وليبقَ بعدها للحواشي النزر اليسير مما يفترض أنه صلب الموضوع !
فلو حاولت أن أخرج عن المعهود، وتخيّلت سياقاً آخر، ما يعني مثلاً متابعتي للنشاط الثقافي في طرابلس، للاحظت أني ذاهب كي أغوص في بحر «النق» الموسمي، الذي تختبره نخب المدينة دورياً، «النق» مخصّصاً لعناوينه الثقافية:
أ ـ مسرح «الإنجا» مع مرافقة سلسة لحمار، على اعتبار أن «الحمار»* يعوّض عن غياب هيبة صاحبه.
ب ـ مسرح «الدوم» أو المسرح الكروي المغلق الذي بقي قيد الإنشاء منذ افتتاح العمل على ورشة «نيماير» لمعرض لبنان الدولي في 23 أيلول 1963، والذي كانت كلّ مراحله مخطّطاً لها الانتهاء بعد أربع سنوات!
ج ـ سأحاذر الحديث عن المعرض الأولمبي الذي كلّف 19 مليون دولار كي لا أنتصر له، وسأنصرف لاستخدام هذه الفقرة كي أنتظر ثلاثين سنة سقف القاعة الرياضية في المينا، والتي استخدمتها كمكان للعرض خلال إعداد مسرحيتي للتخرّج، على الورق طبعاً، سنة 1982.
د ـ لو أن مهرجان السلم الأهلي الأول، مع سهير دندشي و«جمعية أصدقاء المعاقين» سنة 1988، لم يحوّل المجال المحيط بين «محطة» القطار و«برج السباع»، و«برسباي» كي لا يزعل الدكتور عمر تدمري، بما جعل من البرج والمقصورات المتهالكة حيزاً قادراً على احتضان التظاهرات الثقافية والفنية! لولا ذلك لولّى المهندسة نهى نيكرو والمهندس فواز سنكري والصيدلي خلدون الشريف!
ولو لم يكن عنوان السلم والنشاط الثقافي البارز من بين ما يخطر بالبال بالمعنى الايجابي، لتحوّلت المتابعة الى اقتراحات «نق» مستدام! فماذا لو لم تكن لهذه الكلمات الباحثة عن «النوستالجيا» ما يبررها؟ كم من مرّة، من جيل، من كاميرا، من لوحة، من معرض، من مسرحية، وكم من كلمة تحوّلت قنبلة، حزاماً ناسفاً..!
لم تكن هذه العبارة شطحة قلم بل هي إشارة إلى عمل الروائي جبور الدويهي الأخير «حي الأميركان» الذي اتخذ من طرابلس مكاناً وموضوعاً له، ومن بين شخصياتها من يذهب إلى العراق ملتحقاً بـ«القاعدة» حيث يطلب منه تفجير نفسه بالحزام الناسف لكنه لا يفعل ويعود إلى أهله ! في بحث عن سلامه الشخصي.
للمدينة ساحاتها ، شوارعها والوسطيّات، وقد استقبلت على مدار السنين منحوتات أخذت تتكاثر هنا وهناك، وأبرزها في الميناء ما تركه ماريو سابا، وربما من أول المنحوتات المؤرقة، إعصار دائم يشفط بقايا مقاعد المدرسة ومخلفات «الكومبيوترات» التي استهلكت بسرعة أمام تطور سعتها وحداثة برامجها، المتجاوزة، بلمح البرق. ذهب ماريو وبقي إعصاره الذي سيخبرنا دائماً عن الهشاشة بوجه الآتي إن لم نستوعب اللحظة.
بعده خرق عدنان خوجة المعهود بالسيمبوزيوم الذي أشرف على أعماله، فقد ترك بمسعى مقصود النتاج حياً في كل مكان، وكان قد استقدم له النحاتين من دول عديدة، ومن ثماره ست منحوتات توزعت بين المتاح من المساحات الخضراء، فهي إما قبالة السنترال أو مواجهة لطريق المينا إلى مفترق مستشفى «النيني»، المثلث المواجه لمدرسة «عبرين» و«قصر الحلو»، وواحدة تحت جسر المشاة القاطع لجسر أبي سمراء، ومنها ما يركن إلى تحويله طريقاً تتجه نحو المعرض، وثلاثة أشرعة بنفس نحتي مؤسلب حديث تحضنها الكتلة المجسّدة لها على مقربة من بلدية طرابلس.
وثمة أشرعة أخرى على مدخل الميناء، أتت كتكريم متأخر للنحات محمد الحفار، وهي واحدة من الأعمال الكثيرة التي أنجز «ماكيتاتها» وحضرها للمدينة، وقد زيّنها مؤخراً محمد غالب بجدارية عملاقة مواجهة لها جاعلاً لها البحر قريباً بأزرقه الشاسع وبنوارسه البعيدة المتجمعة الأسراب أو القريبة المتهادية بأجنحتها العديدة. ولن ننسى صخرة «سيزيف» الباقية من نشاط لبيت الفن، أو ما يشابهها مكرّسة الثقل المنطقي لمستديرة الـ«غروبي» والمكرسة رسمياً تحت اسم «البيئة» والتي تفضي إلى القوس التكريمي للدكتور بويز باعتباره ما تبقى من ذاكرة مستشفى «الأميركان».
تبقى الإشارة إلى الجداريات التي قيل إنها ستملأ الساحات والأماكن، كنتاج دراسات عليا من معهد الفنون قسم الرسم، والتي لم تتخطَّ موجتها الأولى، وما يؤسف له ان بعضها تمّ تهشيمه أو نقله إلى الزوايا الخلفية.
لنعترف بأن النشر في المدينة قليل وربما يقتصر على بعض هواة الشعر، ومحترفي الوجاهة، غير أن «المجلس الثقافي للبنان الشمالي» يتابع «توثيقياته» عن الصحافة، المسرح، الشعر والشعراء، والشخصيات وهو يعكف في هذه الأيام على كتاب حول الروائيين الشماليين. كما استعاد دراسة «مجتمع النهر» للراحل طلال منجد، وعمل على نشرها في كتاب فعادت حكايات «أبو علي» التي حمّلها طلال قول كلود ليفي ستراوس عن الانتروبولوجي الذي يسير إلى الأمام فيما يتراجع المؤرخ القهقرى طارحاً السؤال: ما الذي جعل النواة المدينية تتخلّى عن شريانها؟
وقد انتشرت في السنوات القليلة الماضية أيضاً بعض الجمعيات الشبابية التي تسعى الى نشر الموسيقى، وتنقل الرقص إلى الشارع في احتفاليات ارتجالية تواكب النشاطات العامة كما بعض المناسبات الجامعة. ربما هذا ما سوف يعيد تنشيط المسارح والمراكز الفنية الثقافية التي تكتفي باستقبال ما ينتج خارج المدينة في أغلب الأحوال، في مسعى الى تعميم الوجاهة بدون الخوض في متاهات المساعدة على إطلاق النتاج المحلي، ألّلهم باستثناء حالة كورال الفيحاء التي ربما تمثل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وهو أصبح كالزرع البعل يظهر بقوة المواهب الفردية.
الحديث يطول وتفوح منه الحكاية التي أكرّرها بدون ملل عربون معروف لمدينة أتاحت لي أن أراها، كما هي، لا كما يكثر الحكي عنها، فأول الكلام الحرب، وآخره تنتظر أن يؤكده فيقولها لك لسان واحد من أهلك.. أهلها، حيث تلقاهم، واحد يعشق الهرب... «السلام عليكم»!.
اشارة إلى حكاية حمار «حسن الإنجا» الذي كان يوازي حاكم المنطقة أيام الولاية العثمانية، والذي كان يرسل حماره إلى أي احتفال او مناسبة اجتماعية ليضمن الأمن.
 


“للمدينة ساحاتها ، شوارعها والوسطيّات، وقد استقبلت على مدار السنين منحوتات أخذت تتكاثر هنا وهناك، وأبرزها في الميناء ما تركه ماريو سابا، وربما من أول المنحوتات المؤرقة، إعصار دائم يشفط بقايا مقاعد المدرسة ومخلفات «الكومبيوترات» التي استهلكت بسرعة أمام تطور سعتها وحداثة برامجها، المتجاوزة، بلمح البرق. ذهب ماريو وبقي إعصاره الذي سيخبرنا دائماً عن الهشاشة بوجه الآتي إن لم نستوعب اللحظة”
A+
A-
share
آذار 2015
أنظر أيضا
01 آذار 2015
01 آذار 2015
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد