متعلّمون، أبناء آباء متعلّمين، تميّزوا في المدرسة، وفي الجامعة وفي العمل، بمستوى إتقانهم وعلمهم، ومدى جديّتهم وتعلّقهم بالمعرفة والتعلّم.
معظمهم سافر لإكمال الدراسة في الخارج. بعضهم عاد، وغالبيتهم لم تعد تجد لها مكاناً في بلاد الأرز...
منهم، بتّ أعرف اللّكنة جيداً، وكذلك العادات، وأماكن المدينة الممّيزة...الكورنيش والمقاهي، السوق القديمة ومن فيها من صنّاع الصابون والنحاس والحرفيين، ودور السينما اليتيمة التي ربّما أقفلت أبوابها اليوم.
قرأت كثيراً عن الفقر الذي يلّف المدينة، عن باب التبّانة وجبل محسن ومآسي كل من المنطقتين وغيرهما.
رأيت صوراً لظواهر لم أكن أعلم أنّها موجودة في بلادي، على الرغم من كوني ابنة منطقة مهملة وفقيرة هي البقاع.
أنا صحافيّة منذ العام 1991. مذّاك، كلّفت عدداً لا أذكره من الزملاء الصحافيين والمصّورين بموضوعات من الشمال وعنه وله. من طرابلس والمنية، والضنّية والمينا، والبدّاوي ونهر البارد. من عكّار وجبل أكروم والقمّوعة. من الأرز وزغرتا وبشرّي. من الكورة ومن قضاء البترون.
أنا صحافيّة لبنانيّة، زرت دولاً لا تحصى في القارات كلّها تقريباً... الصين، اليابان، الولايات المتحدة، ومعظم أوروبا، وبعض أفريقيا، وغالبيّة الدول العربيّة طبعاً.
أنا صحافيّة لبنانيّة، أقترب من عامي السابع والأربعين، وأعترف بخجلٍ وبحزنٍ عميقين بأني لم أزر طرابلس يوماً كما يجب، ولم أعرفها كما عرفت الكثير من المدن البعيدة.
أنا، التي بحكم المهنة والسنّ والنشأة، أحسب نفسي بعضاً من طرابلس... أعترف بأنّي لا أعرفها.
فكيف حال معظم الملايين الأربعة الآخرين؟