تستطيع التربية الإعلامية تقديم الكثير للبنان وللمنطقة، ومع ذلك لا تزال في بداياتها تستصعب تثبيت مكانتها في المدارس والجامعات على الرغم من التقدّم الكبير المحرز في العقد الماضي. لكن المشاكل المرتبطة بمستويات التربية الإعلامية المنخفضة، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، تتعدّى المجال السياسي وقد تكون مرتبطة بالنزعة الاستهلاكية المنتشرة في لبنان والثقافة المادية المتنامية، المهووسة بالمظاهر والألقاب والمكانة الاجتماعية، ومعقدّة بشكل إضافي بهوية متضاربة تسعى جاهدة لتحقيق الحداثة - ولا سيما تفسير سطحي للحداثة الغربية - مع ذلك تتمسك بالقيم القمعية التقليدية المتناقضة. أضف إلى ذلك التمييز الواسع النطاق ضد النساء والكثير من الأقليات، الذين لا يزالون ممثلين تمثيلاً ناقصاً بشكل كبير في مناصب السلطة، وبخاصة في المجالات الحكومية والإعلامية، ويواجهون نظاماً قمعياً من القوانين التمييزية لا يضاهيه سوى القوالب النمطية الإعلامية المستفحلة التي تؤدي إلى «التشييء» الجنسي (objectification) والثقافة الجنسية المتناقضة التي تخلط بين العرض الجنسي للجسم ما بعد الحداثة والتوقعات التقليدية لمعيارية المغايرة (heteronormativity). ناهيك عن وباء الإدمان الرقمي الذي اكتسح الأطفال والشباب على قدم المساواة، لكن تأثيره التنموي السلبي، أي العقلي والجسدي والاجتماعي، على الأطفال لم يُحدَّد بعد.
تغرس التربية الإعلامية في الذهن حسّاً نقدياً شبه لا إرادي يدفع الطلاب إلى طرح أسئلة تحليلية حول مؤلف/ة الرسالة ونواياه/ها والغايات والتصميم وأساليب الإقناع والتقنيات الإبداعية والجماهير المستهدفة وأنماط الحياة والقيم المتضمنة. هي تمكّنهم من الاستجابة بالصوت والنص والاعلام الفوتوغرافي والسمعي والبصري والبيانات التي يتم حزمها بشكل مقنع وموثوق وتوجيهها بشكل فعّال. فنحن نعرف من الطلاب الذين شاركوا في بحثنا أن التربية الإعلامية تطوّر فهماً دقيقاً للمجال الإعلامي وفهماً متطوراً لتأثير وسائل الإعلام. "لقد غيّرت الدورة وجهة نظري حول العالم ودوري فيه" هو قول يتداوله الكثير من الطلاب الذين التحقوا بالدورة أو ورشة العمل في مجال التربية الإعلامية، حتى ولو بعد سنوات من التخرّج. وقد أشار هنري جينكينز إلى أن التربية الإعلامية تساعد على تعزيز ثقافة تشاركية قوية، وبالتالي تمكّن الشباب وتساعدهم في أن يصبحوا مواطنين مشاركين يخلقون بثقة أشكالاً تعبيرية ثقافية متنوعة. وهذا ليس سوى غيض من فيض، فنحن نسعى إلى تحقيق نموذج من التربية الإعلامية التي تحثّ على التغيير الحقيقي والعميق والبارز في المجتمع اللبناني والعربي. لقد حان الوقت لتعميم التربية الإعلامية في المدارس والجامعات اللبنانية. نحن بحاجة ماسة إلى تحوّل في التعليم يقدّم بيداغوجيا التحرير والتغيير الثقافي.