تكمن جذور هذه الظاهرة المعقّدة في الحرب والحواجز القائمة بين المناطق والتي سمحت بانتشار استقدام المدرسين بالتعاقد. ففي التسعينيات، على سبيل المثال، كان المتعاقدون يمثلون حوالي 90% من القوى العاملة التعليمية في القطاع العام بحسب مصدر أكاديمي في الجامعة اللبنانية. واليوم تم التخفيف من حدّ هذا الاختلال في التوازن ولكنه لم يختفِ تماماً. ونتيجة لذلك، فإن المدرسين المتعاقدين في القطاع العام يتظاهرون بانتظام مطالبين بالتثبيت، كما أن هشاشة وضعهم من المحتمل أن تدفعهم نحو عدم الاستقرار الاجتماعي.
في هذا الإطار قال عضو في رابطة معلمي التعليم الأساسي إن «التعاقد يجرّ عدم الاستقرار. هل تعلم، على سبيل المثال، أن المدرسين المتعاقدين يتلقون رواتبهم مرة واحدة في السنة فقط؟ هل تعلم أنه يتم دفع رواتبهم بناءً على عدد ساعات التدريس الفعلي، وأن العطلات الرسمية غير مدفوعة؟ ولا حتى 9 آذار، وهو يوم المعلم! هل تعلم أن معدل الأجر بالساعة لا يتغيّر أو يأخذ في الاعتبار الأقدمية أو مستوى التعليم؟ وأخيراً، هل تعرف أن المدرسين المتعاقدين غير مسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولا يتلقّون بدل نقل أو تعويض نهاية الخدمة؟».
بالإضافة إلى ذلك، يؤدي عدم المساواة، في ما يتعلق بالتوظيف، إلى زيادة مستوى تعقيد القضية، حيث يدرّس المتعاقدون أربع ساعات فقط في الأسبوع بينما يدرّس الآخرون عشرين ساعة.
ويضيف المصدر: «أخيراً، واجه المدرسون المتعاقدون إجحافاً إضافياً عند إعلان المسابقة لتوظيف معلّمين جدد في عام 2008، في حين أنهم كانوا قد طالبوا بتخصيص هذه المسابقة حصرياً لهم، كما كان الحال في عام 2004. وبالتالي، يقضي بعضهم حياتهم المهنية بأكملها في حالة من عدم الاستقرار».
وقال مصدر رسمي في الجامعة اللبنانية طلب عدم الكشف عن هويته إن «التوظيف في القطاع العام، بما في ذلك في التعليم، ليس سوى مشروع واسع لإدارة عدم الاستقرار».
يُعدّ توزيع المعلمين في المدارس العامة البالغ عددها 1257 مدرسة في لبنان، مثالاً جيداً، إن من حيث العمالة الزائدة أو الناقصة بحسب المنطقة، حيث نجد في المتوسط مدرساً واحداً لكل 7.54 تلميذ في القطاع العام، في حين أن الرقم 12.40 في القطاع الخاص. وهذا فرق كبير.
من الواضح أن لهذا الوضع تداعيات على السلم الاجتماعي. ولكن مع سياسة خفض الإنفاق التي وضعها المانحون في مؤتمر سيدر (CEDRE) في باريس، يمكن أن يصبح هذا الوضع أكثر تعقيداً، بخاصة مع قرار تجميد التوظيف في القطاع العام.
كيف ستقوم وزارة التعليم بملء مناصب المدرسين المتقاعدين التي تشغر كل عام؟ ما من إجابة واضحة على هذا التحدي حتى الآن. وفقاً لمصدرنا في رابطة معلمي التعليم الأساسي، فإن المدرسين العاملين حالياً، سواء أكانوا في الملاك أم متعاقدين، هم الذين سيتولَّون مؤقتاً ساعات تدريس إضافية، «وهذا ليس بالأمر السيّئ».
لكن وفقاً لمصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم العالي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن هذا النهج غير صالح إلا على المدى القصير. أما على المدى الطويل، فتجرى حالياً دراسة جدوى في وزارة الصحة لتسجيل 1.8 مليون مواطن لبناني لا يستفيدون من أي ضمان اجتماعي في الصندوق الوطني لضمان الاجتماعي، وبالتالي معالجة الوضع غير المستقر للمتعاقدين. في الوقت نفسه، يتم أيضاً التخطيط لدورات تدريبية لإضفاء الطابع الاحترافي على مهنة التدريس، مع احتمال إعلان مسابقة جديدة.