في ضوء هذا الواقع، يخوض مشهد التّربية تحولاً كبيراً على الصعيد الدّولي. ونحن، في وزارة التّربية، نواكب هذا التّحول، من خلال فتح باب النقاش حول رؤيةٍ تربويةٍ متجددةٍ لتنمية إنسانية تكون منصفةً وقابلةً للتطبيق، ومن خلال ورشة تطوير المناهج الدراسية، التي تشجّع على احترام التّنوع، ومناهضة أشكال التّمييز، والهيمنة الثقافية، وإرساء سياساتٍ تربويةٍ، وتعليميةٍ تساهم في تحسين مخرجات التّعليم والتّعلم. وكذلك، من خلال تطبيق برامج، وأنشطة تعزّز حسَّ المسؤولية تجاه الغير، وتنمّي مهارات القرن الحادي والعشرين، التي يأتي في طليعتها مهارات بناء السلام، والحوار، والتّفكير النّقدي، وحلّ النزاعات، والتّواصل.
نحن نؤمن بمكانة التّربية والتّعليم كعاملٍ رئيس من عوامل السلام المستدام، حيث يكون للمؤسسات التّربوية، جميعاً، دورٌ في غرس قيم العيش المشترك، وبناء الشخصيّة الوطنيّة الصالحة، بدلاً من الاكتفاء بنقل المعلومات والمعرفة فقط؛ فلم يسبق للتربية أن كانت بالأهمية التي تتّصف بها اليوم، إذ أن لها الدور الحاسم في النهوض بالمعارف، والسلوكيات التي نحتاجها من أجل إرساء حسِّ الشعور بالمواطنة، والمسؤولية الفردية تجاه تحقيق السلام، ومناهضة الكراهية والعنف. ويمكن للتربية أن تساهم في ترجيح أصوات الاعتدال، والتّضامن، والعقل والاحترام، إذ أن السلام يتطلب، أكثر من أي وقت مضى، الحوار بين المجتمعات، ومشاركة أكبر بين الثقافات.
إذاً، نحن بحاجةٍ إلى تربية جديدة، لزمنٍ وظروفٍ جديدة؛ وبحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعليمٍ يساهم في تهيئة أطفالنا، وشبابنا للعيش في مجتمعٍ متنوِّع، يُحترم فيه الآخر أيَّاً كانت أوجه التّباين، والتّمايز معه. طبعاً، لا نتحدّث هنا عن مادة دراسيّة واحدة، ولكننا نعمل على دمج هذه التّربية، وتعليمها عن طريق أنشطة مباشرة، وغير مباشرة، في جميع المواد الدراسيّة، وفي جميع مناشط البيئة التّربوية، داخل المدرسة، وخارجها. كما أن القيم الإنسانية لا يمكن أن تدرّس عن طريق الكتب وحدها، لكن الأهم هو وجود القدوة، والممارسة العمليّة. وهنا أنوّه بدور المعلمين ذوي الكفاءة العالية في وزارة التّربية، وبجهودهم للارتقاء بمنظومة القيم، والمبادئ السّامية.
وإدراكاً لذلك، فإنَّ وزارة التّربية والتّعليم العالي تصبُّ جهودها على بناء ثقافة السلام، والّلاعنف في مؤسساتها التّربوية، مستلهمة ذلك من إرثنا الحضاري الغني بالتّنوع، ومن القيم الإنسانية المشتركة، المتوارثة في لبنان، والمتجذّرة في ثقافتنا، ومن تعاليم الديانتين السماويتين، الإسلامية والمسيحيّة، مرتكزين أيضاً على القوانين، والمواثيق الدوليّة التي التزم لبنان بتطبيقها.