1 - سلسلة الرتب والرواتب:
من المعلوم أن إقرار السلسلة بموجب القانون 46/2017 قد جاء نتيجة نضال مطلبي قادته النقابة مع هيئة التنسيق النقابية على مدى سنوات. وربما شكّلت الانتخابات النيابية في أيار 2018 حافزاً لدى بعض القوى السياسية للسير بالسلسلة عشية تلك الانتخابات، فصدر القانون وبات نافذاً وأمراً واقعاً بحسب أصول التشريع. لكنّ صدور القانون لم يقترن بصورة حكمية بتطبيقه، فمانعت بعض إدارات المدارس وطبّقته جزئياً فيما امتنعت أخرى عن تطبيقه كلياً، في حين طبّقته مدارس أخريات بحرفية نصّه كاملاً. وفي ظل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، وُضع المعلمون والمعلمات في مواجهة مع إدارات بعض المدارس، واعترض الأهالي على الزيادة على الأقساط، فدخل الجميع في مواجهات مؤسفة وغابت المعالجة الرسمية، تاركةً شركاء العملية التربوية يتخبّطون في تطبيق قانون وضعه المشترع الذي غاب، بدوره، عن المتابعة. وقد أدّى ذلك، في ما أدّى إليه، إلى إشكاليات أخرى أمام صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، مما أبطأ عملية تصفية تعويض نهاية الخدمة ومعاش التقاعد. كل ذلك هدّد ويهدّد الأمن الاجتماعي كونه يطال شرائح مجتمعية واسعة من معلمين وأهالٍ على وجه التحديد، حارماً الفئة الأولى من حقوق أقرّها لهم القانون ومحمّلاً الفئة الثانية أعباء إضافية. ولا ننسى أن بعض المدارس (لاسيما في الأرياف) تعاني ما تعانيه أصلاً من عجز متراكم.
وفي ظل غياب الحسم من قبل المعنيين الرسميين، تتعاظم الخشية اليوم من إعادة النظر بحقوق أقرها القانون وبات نافذاً بشأنها، وقد التزمها عدد من المدارس فاستوفاها مستحقوها. فاستقرار التشريع ركن من أركان الاستقرار الاجتماعي ولا يجوز الارتجال في التشريع، خصوصاً أن ثمة حلولاً قيد التداول قد تسمح بمعالجة مستدامة، شرط أن تتحمّل الدولة قسطاً من مسؤوليتها على صعيد التعليم الأساسي الذي بات إلزامياً منذ 2011.
2 - التمكين الحقوقي:
في هذه الأثناء، تستمر نقابة المعلمين في السعي إلى تمكين المعلمين والمعلمات حقوقياً، على ما دأبت عليه منذ منتصف تسعينات القرن الماضي. فبالإضافة إلى عمل مجلسها التنفيذي وفروعها المنتشرة في المناطق، تقدّم النقابة الاستشارات القانونية المجانية، أسبوعياً، كما تراسل الهيئات الرسمية المعنية وتتقدّم بالدعاوى القضائية في المسائل المبدئية. ولعلّها النقابة الوحيدة بهذا الحجم في لبنان التي تقدّم هذا النوع من الخدمات للمنتسبين إليها بصورة مجانية. وقد أثبتت التجربة أن تحصين المعلمين والمعلمات عبر تمكينهم قانونياً، إنما يسهم في شكل كبير في حصولهم على حقوقهم وتجنّب حالات خسارتها بحكم جهل القانون. وفي الإطار ذاته، أصدر مكتب المستشار القانوني للنقابة كتيّبات وكتب تناولت:
- «حقوق المعلمين والمعلمات في أسئلة وأجوبة»، وهو كتيّب يتضمّن تبسيطاً للمعرفة الحقوقية.
- «حقوق المعلمين والمعلمات في التشريع»، وهو جمع وتنسيق لمختلف القوانين والأنظمة المتعلقة بأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة. وقد صدر بطبعتين ميومتين حتى الآن.
- «الصـرف من الخدمـة وحقـوق المعلمـين والمعلمات»، وهو كتاب يتناول مختلف أوجه الصرف من الخدمة مع مراجع فقهية واجتهاد المحاكم. وقد صدر في ثلاث طبعات حتى الآن.
- عدد من المقالات والتعليقات على أحكام قضائية خاصة بالمعلمين، لاسيما في مجلة «العدل» التي تصدر عن نقابة المحامين في بيروت.
وفي كل ما تقدّم، تؤدي النقابة دوراً توعوياً بالغ الأهمية ومواكبة ضرورية للمعلمين والمعلمات الذين يشكلون فئة مجتمعية مثقفة وقادرة على التواصل مع إدارات المدارس بما يليق بالمساحة التربوية التي يتشاركونها معهنّ.
وفي المحصّلة، يبدو واضحاً أن التجربة النقابية، على الرغم من أنها تحمل أحياناً ضجيجاً ومواجهات وإضرابات وجولات غضب، إلا أنها تحمل أيضاً رفعاً لمستوى النقاش وتحصيناً للحقوق ودفعاً في اتجاه الحوار مع الشركاء في العملية التربوية: من وزارة التربية والتعليم العالي إلى لجنة التربية النيابية إلى اتحادات المؤسسات التربوية إلى إدارات المدارس إلى لجان الأهل...
الأمن الاجتماعي يمر من هنا. ليس فقط بسبب عدد المعنيين بالملف التربوي، وإنما وخصوصاً بسبب ما يعنيه هذا الملف على صعيد مستقبل لبنان. هنا تُبنى النفوس وهنا يتعلّم الجميع معنى الحقوق ومعنى احترامها. هنا ينشأ من سيتولى يوماً قيادة البلاد. هنا يبدأ الإنماء الحقيقي ويستدام...