اليوم، ليس أمام شباب سوريا في لبنان الكثير للعيش من أجله. فقد انقطع الشباب عن المدرسة لسنوات عدة أو يعملون كمياومين في سوق العمل غير الرسمي أو يشتغلون بالجنس أو معرضين للاتجار بالجنس أو يزوَّجون مبكراً لتخفيف العبء على أسرهم، فتضيق المساحة المتوفرة أمامهم للأحلام. من بين 80,000 سوري مسجّلين تتراوح أعمارهم بين 15 و 18 عاماً، لا يلتحق إلا 5% منهم فقط بالمدارس الثانوية الرسمية(١). أما الباقون، فمعظمهم منقطع عن المدرسة أو يتلقّى شكلاً من أشكال التعليم غير الرسمي مع عدم القدرة على الحصول على شهادة أو مواصلة التعليم العالي أو التدريب المهني. بالإضافة إلى هذه التحديات التي يواجهها الشباب، يشير المجلس النرويجي للاجئين إلى أن حوالى 90% من الشباب في هذه الفئة العمرية لا يستطيعون الحصول على الإقامة القانونية، ما يجعلهم أكثر ضعفاً، وبالكاد يحصلون على الخدمات، ومنها التعليم. وهذا يعني أيضاً التعرّض للمعاملة المهينة والغارات على المخيمات وعمليات الإخلاء، فضلاً عن القيود المفروضة على حرية الحركة بالنسبة إلى اللاجئين السوريين.
هل كان من الممكن تفادي وضع الشباب هذا؟ في بداية الأزمة، كان عدم اتخاذ إجراء بشأن التعليم مرتبطاً بشكل أساسي بنقص الأموال وتوقع المجتمع الدولي والمجتمع المضيف بأن تنتهي الحرب قريباً، وبالتالي يعود الأطفال قريباً إلى مدارسهم في سوريا. برزت عقبات أخرى على الطريق، مثال تدني قدرة الاستيعاب في المدارس الحكومية اللبنانية، المفتوحة في دوامين لتلبية حاجات العدد الكبير من الأطفال إلى التعليم، من بين أمور أخرى.
هل هذه قضية ثقافية؟ هل يقاوم السوريون التعليم؟ كممارِسة في هذا المجال، ما زلت أتذكّر بوضوح كيف تكوّن أول مركز للدعم التعليمي لدينا، وكان الأول من نوعه في لبنان. كان ذلك في بدايات العام 2012، وكنّا نقوم بتوزيع سلل غذائية على الأسر السورية التي وصلت حديثاً. قامت إمرأة شابة في المخيم بتعقّبي ونادتني باسمي... ثم تابعت «مرحبا، إسمي أميمة، وكنت أعمل معلمة في سوريا. لدي طفلان. لا أريد سلّة غذائية. أريدك أن تساعديني في شراء بعض الكتب، وسأكون سعيدة لاستضافة 20 طفلاً يومياً في خيمتي لتعليمهم». وعلى غرار أميمة، كانت كل الأسر السورية، حتى الأميين منهم، يريدون تعليم أطفالهم أولاً. في غضون أسبوع واحد من ذلك اليوم، كانت 200 أسرة قد سجّلت أطفالها مع أميمة مع انتشار الخبر في جميع أنحاء المخيمات.
هؤلاء الأطفال أنفسهم الذين كانوا في المدرسة التي جهزّتها أميمة في خيمتها والتي طالبت بشدة بها، هم اليوم شباب وشابات بلا مستقبل أمامهم. لكن لا يزال بإمكاننا اتخاذ خطوات لإنقاذ شباب سوريا. يجب الحفاظ على مساحة للمجتمع المدني في لبنان لدعم اللاجئين السوريين. يجب ضمان إضفاء طابع محلي من خلال مشاريع يملكها ويديرها المجتمع المدني بالتعاون مع المجتمعات المحلية نفسها، وبالتعاون الوثيق مع المنظمات الدولية والحكومة. ينبغي تعزيز البرامج التي تتناول الشباب، لدعمهم إما لإعادة الاندماج في المدارس أو الانضمام إلى التدريب المهني أو تزويدهم بالمهارات المهنية والشخصية الضرورية ليكونوا عناصر مستقلين ونشيطين في المجتمع. كما ينبغي أن تقترن جميع هذه المشاريع بالدعم النفسي والاجتماعي، والمبادرات التي تتكوّن أصوات الشباب فيها، مركزية، حتى يكونوا شباباً يتولون زمام حياتهم ويكونوا قادرين على تصميم مستقبلهم، وفي نهاية المطاف، مستقبل بلدهم.