عندما يواجه الأطفال احتمال وجود بيئة أكاديمية غير آمنة، يختار الكثير منهم تفويت المدرسة أحياناً، أو التسرّب كلياً، وفقاً لدراسة أجرتها «جمعية إنقاذ الطفولة» حول التنمّر في لبنان في العام 2018. ومن النتائج المثيرة للقلق إلى حدّ أكبر، حدّد البنك الدولي أن «الافتقار إلى التعليم المدرسي اليوم من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم خطر الصراعات في المستقبل وزعزعة الاستقرار في المنطقة».
حتى وقت قريب، لم تتوافر سياسة متكاملة لحماية الأطفال في المدارس اللبنانية، ما يعني أن المعلمين غالباً ما كانوا غير مهيأين للتعامل مع حوادث العنف، وبدلاً من ذلك كانوا يعتمدون على التدريب والتدخل الذي تقدمهما المنظمات غير الحكومية.
لمعالجة هذا الوضع، أطلقت وزارة التربية في العام الماضي، بالتنسيق مع اليونيسف، «سياسة حماية التلميذ في البيئة المدرسية». وبعد تجربة هذه السياسة في 20 مدرسة وتقييمها، تمّ إطلاقها في 300 مدرسة رسمية لتعميم التنفيذ في كافة أنحاء البلاد.
توفر مسودة سياسة الحماية هذه إطاراً لتدريب العاملين في المدرسة على كيفية تحديد علامات التنمُّر أو الإساءة، وإحالة الحالات إلى المتخصصين في الوزارة. بالنسبة إلى نسرين طويلة، المسؤولة عن حماية الطفل في «اليونيسيف»، يجب أن تكون هذه السياسة «المعيار الأدنى» لأي كيان لديه اتصال مباشر بالأطفال.
إلى جانب تزويد المعلمين بالأدوات اللازمة لاكتشاف العنف، تهدف هذه السياسة إلى مساعدة الأطفال على بناء علاقات غير عنيفة، وتطوير بيئات مدرسية أكثر أماناً. وتقول طويلة إن هذا الإطار التعليمي الآمن يسمح للأطفال في نهاية المطاف بالتركيز والتعلّم بشكل أكثر فعالية.
وتضيف: يساعد فريق من مستشاري الدعم النفسي المتخصصين من الوزارة في إنشاء مدارس أكثر أماناً فيديرون جلسات مع التلاميذ تغطي خمس مهارات: الإدراك الذاتي، والإدارة الذاتية، والوعي الاجتماعي، وبناء العلاقات، وصنع القرار الفعال.
وتفسّر أن هذه الأنشطة كلها تقع ضمن نطاق الموضوع الشامل للاعنف.
من بين الأنشطة التي تمّ تقديمها للأطفال الأصغر سناً تذكر حرب «نجم الامتنان»، حيث يُمنح كل منهم نجمة ورقية، ويُطلب منهم كتابة أسماء خمسة أشخاص قدّموا الدعم لهم. وقد تبيّن أن الشعور بالامتنان يؤدي إلى إفراز هورمون «الأكسيتوسين» الذي ثبت أنه يعمل على إصلاح الأضرار العاطفية والحفاظ على الرفاه.
حالياً، لا يستفيد إلا الأطفال السوريون من وجود مستشارين للدعم النفسي الدائم لأن مناهجهم الدراسية أكثر مرونة من نظرائهم اللبنانيين. أما بالنسبة إلى الطلاب اللبنانيين، فيقوم فريق من المستشارين «المتنقلين» بالتناوب على تقديم أنشطة بناء السلام وتدريب المدرسين.
وتقول حرب إن الوزارة «تحلم» بوجود مستشارين متفرّغين للأطفال اللبنانيين، لكن هذا الحلم لم يجد طريقه بعد إلى التشريع.
وتقول طويلة من جهتها: بالطبع، لا يبدأ العنف ضد الأطفال أو ينتهي عند أبواب المدرسة. والكثير من المجتمعات اللبنانية لا تزال تظهر مستويات عالية من التسامح والتقبّل في ما يتعلق بالعنف ضد الطفل.
ومع أن ولاية وزارة التربية لا تمتد إلى منازل الأطفال والمجتمع ككل، فإن المسؤولين فيها على ثقة من أن الدعم المقدَّم من سياسة الحماية سيشجع الأطفال على التحدث عن المشاكل في المنزل.
تضيف حرب: «رسالتنا الرئيسية [للأطفال] هي أنه يمكنكم أن تسألوا، لن تواجهوا المتاعب بسبب ذلك».
لقد سمح تطبيق «سياسة حماية التلميذ في البيئة المدرسية» لصانعيها بتدوين ملاحظاتهم عليها، وصقل شكلها على أمل بناء مستقبل أكثر سلماً للجيل المقبل من اللبنانيين والسوريين.