واليوم تتأثّر نسبة كبيرة من السكان بهذه الأمراض الجديدة التي تسبّب الإدمان مع اكتساح استخدام التكنولوجيا كل الأسر تقريباً من دون التفرقة بين فقير وغني. والمثير للقلق أن التكنولوجيا السريعة التطور تُحدث أثراً مدمّراً على الأنظمة الحسية والحركية وآليات التعلّق الناشئة في الأطفال، مع تأثير سلبي طويل الأجل على صحتهم البدنية والنفسية والسلوكية. علاوة على ذلك، نجد أشخاصاً من كافة الفئات العمرية تقريباً مدمنين على الهواتف الذكية وألعاب الفيديو (مثال ألعاب Fortnite وPubG وApex Legends وغيرها)، ووسائل التواصل الاجتماعي (مثال منصات Facebook وInstagram وغيرها)، وحتى الرسائل النصية بحدّ ذاتها (WhatsApp). فقد كشفت الدراسات المنشورة التي أُجريت في الكثير من البلدان، عن وجود ارتباطات ذات دلالة إحصائية بين استخدام التكنولوجيا الإدماني أو الإشكالي والاضطرابات النفسية المشتركة (Hawi & Samaha, 2017; Samaha & Hawi, 2016).
في لبنان، قُمت بالشراكة مع الدكتورة مايا سماحة روبرت، بنشر دراستين بحثيتين رائدتين قبل أشهر عدة من تصنيف منظمة الصحة العالمية للإدمان على ألعاب الفيديو كمرض عقلي. ونظراً إلى حجم المشكلة، قررنا إتاحة مقياس للعالم العربي بأكمله. لذلك، أجرينا دراسة للتحقّق من صحة النسخة العربية من اختبار IGD-20، وهي أداة سيكومترية موحدّة تقيّم اضطرابات ألعاب الإنترنت (IGD) وفقاً للمعايير التسعة التي اقترحتها الجمعية الأميركية للطبّ النفسي في الإصدار الأخير من «الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية» (DSM-5). تهدف هذه النسخة العربية من اختبار IGD-20 إلى المساعدة في تحديد الأشخاص الناطقين باللغة العربية الذين يلعبون على الإنترنت بشكل مرضي، وتحفيز الدراسات التعاونية بين الثقافات التي يمكن أن تسهم في هذا المجال الذي يحتاج إلى المزيد من الأبحاث لتكوين نظرة متبصرة ولتحديد العلاج. وقد أظهرت دراستنا التي تحمل عنوان «التحقّق من صحة النسخة العربية من اختبار اضطراب ألعاب الإنترنت IGD-20» أن النسخة العربية من اختبار IGD-20 هي مقياس صحيح وموثوق به لاضطراب ألعاب الإنترنت بين السكان الناطقين باللغة العربية. وتم نشر هذه الدراسة في المجلة المرموقة «علم النفس السيبراني والسلوك والشبكات الاجتماعية» (Cyberpsychology, Behavior, and SocialNetworking) في عام 2017.
كان الهدف التالي الذي حدّدته بالشراكة مع الدكتورة سماحة روبرت، هو إجراء دراسة بحثية في لبنان لتحديد مدى انتشار ألعاب الفيديو، وللنظر في الترابط بين ألعاب الفيديو وأعراض الاضطرابات النفسية والعوامل الديموغرافية والاكتئاب والقلق وسمات الشخصية والأمراض المشتركة الأخرى. كان الهدف من هذه الدراسة هو بناء استراتيجية وقائية سليمة قائمة على الأدلة واقتراح السياسات، وتحفيز الباحثين من الدول العربية لإجراء دراسات مماثلة. نُشرت الدراسة البحثية في عام 2018 بالتعاون مع الدكتور مارك غريفيث بعنوان «اضطراب ألعاب الإنترنت في لبنان: العلاقات مع العمر وعادات النوم والتحصيل الدراسي». لقد أظهرت هذه الدراسة أن معدل انتشار اضطراب ألعاب الفيديو كان 9.2% في العيّنة. بالإضافة إلى ذلك، بيّنت أن اضطرابات ألعاب الفيديو كانت مرتبطة بصغر السن وفترات النوم الأقصر ومستوى التحصيل الدراسي الأكثر تدنياً. في حين يلعب بعض اللاعبين على شبكة الإنترنت بشكل عرَضي من دون الاتصال بشبكة الإنترنت أحياناً، إلا أن كافة اللاعبين الذين يعانون من اضطرابات الألعاب أبلغوا عن اللعب على شبكة الإنترنت فقط. وهؤلاء ينامون ساعات أقل بكثير في الليلة (5 ساعات) مقارنة باللاعبين على شبكة الإنترنت الذين يلعبون بشكل عرضي (7 ساعات). كان متوسط الدرجات المدرسية للاعبين الذين يعانون من اضطراب ألعاب الإنترنت هو الأدنى بين كافة فئات اللاعبين، وأدنى من متوسط درجة النجاح في المدرسة. تشكّل النتائج المذكورة أعلاه قائمة جزئية بما تمّ اكتشافه حول هذا الاضطراب وتمثّل عواقب وخيمة لأولئك الذين يعانون منه.
على الرغم من أن ألعاب الفيديو يمكن أن تكون ممتعة للغاية للأطفال والكبار، فهي تعلّم اللاعبين حلّ المشكلات والمنطق وإدارة الموارد والتوافق الحركي البصري والتفكير بسرعة، إلا أنه ينبغي على أولياء الأمور أن يكونوا على دراية بالألعاب التي يمكن لأطفالهم لعبها والفترة الزمنية لجلسات اللعب والأوقات والأشخاص الذين يلعبون معهم، وحجم المشتريات داخل التطبيقات، والأهم من ذلك إشراكهم في الهوايات البديلة. تجدر الإشارة إلى أن فرقة العمل المعنية بالإعلام العنيف التابعة للجمعية الأميركية للطب النفسي، خلصت إلى أن التعرّض لألعاب الفيديو العنيفة مرتبط بزيادة السلوكيات والأفكار والعواطف العدوانية فضلاً عن انخفاض مستويات التقمص العاطفي. الصبي الذي قتل والده وثلاثة أشخاص آخرين في منطقة زقاق البلاط ببيروت في عام 2017، وحادثة إطلاق النار في باركلاند في فلوريدا في عام 2018 التي أودت بحياة 17 طالباً وموظفاً، وهجوما كرايست شيرش اللذان قتلا 50 شخصاً، هي من الحوادث التي تؤدي إلى تساؤل الناس حول تأثير ألعاب الفيديو العنيفة.
المراجع:
Samaha, M., & Hawi, N. S. (2016). Relationships among smartphone addiction, stress, academic performance, and satisfaction with life. Computers in Human Behavior, 57, 321-325
مايا سماحة ونظير حاوي (2016). العلاقات بين الإدمان على الهاتف الذكي والإجهاد والأداء الدراسي وشعور الرضا عن الحياة. أجهزة الكمبيوتر في سلوك الإنسان
Hawi, N. S., & Samaha, M. (2017). The relations among social media addiction, self-esteem, and life satisfaction in university students. Social Science Computer Review, 35(5), 576-586
نظير حاوي ومايا سماحة (2017). العلاقات بين الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي واحترام الذات وشعور الرضا عن الحياة لدى طلاب الجامعة. مجلة العلوم الاجتماعية الكمبيوتر
Hawi, N. S., & Samaha, M. (2017). Internet Gaming Disorder-20 Cyberpsychology, Behavior, and Social Networking, 20(4), 268-272
نظير حاوي ومايا سماحة (2017). إضطراب ألعاب الإنترنت IGD-20. علم النفس السيبراني والسلوك والتشبيك الاجتماعي
The American Psychological Association Task Force on Violent Media. (2017). The American Psychological Association Task Force Assessment of Violent Video Games: Science in the Service of Public Interest. American Psychologist. 72(2): 126-143
فرقة العمل المعنية بالإعلام العنيف التابعة للجمعية الأميركية للطب النفسي (2017). تقييم فرقة العمل المعنية بالإعلام العنيف التابعة للجمعية الأميركية للطب النفسي لألعاب الفيديو العنيفة: العلم في خدمة المصلحة العامة. الجريدة الأكاديمية «عالم نفسي أميركي»